فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا، لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا؛ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ، إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ»
بَابٌ فِي غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ أَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَأَنَّ عَبْدَهَا كَمَحْرَمِهَا فِي نَظَرِ مَا يَبْدُو مِنْهَا غَالِبًا]
حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي إسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّصْرِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ مَوْلَى بَنِي نَصْرٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ مَرَّةً فِيهِ: عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بَدَلَ عَائِشَةَ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو جُمَيْعُ سَالِمُ بْنُ دِينَارٍ الْهُجَيْمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ: بَصْرِيٌّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَهُ عَاضِدًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ
قَوْلُهُ: (دُرَيْكٍ) بِضَمِّ الدَّالِ مُصَغَّرًا وَهُوَ ثِقَةٌ: وَقِيلَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالضَّمُّ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصْلُحْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ قَوْلُهُ: (إلَّا هَذَا وَهَذَا) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَهَذَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ مِمَّا تَدْعُو الشَّهْوَةُ إلَيْهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ مَا دُونَهُ أَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْحَاجَةِ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُسَّاقِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ لِلْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
قَوْلُهُ: (إذَا قَنَّعَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ: سَتَرَتْ وَغَطَّتْ قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ مَحَارِمِهَا يَخْلُو بِهَا وَيُسَافِرُ مَعَهَا وَيَنْظُرُ مِنْهَا مَا يَنْظُرُ إلَيْهِ مَحْرَمُهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ عَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزَوُّجِهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَحَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ صَغِيرًا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْغُلَامِ وَلِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ
وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِحَدِيثِ الِاحْتِجَابِ مِنْ الْمُكَاتَبِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا أَجَابَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِالْإِمَاءِ كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute