. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
[أَبْوَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ وَذِكْرِ مَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْهَا] [بَابُ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِي الْوُلُوغِ]
الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَبَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي بَابِ أَسْآرِ الْبَهَائِمِ.
قَوْلُهُ: (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَالْبَزَّارِ " أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ " وَلِأَبِي دَاوُد " السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ " وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلشَّافِعِيِّ «أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ لَهُ.
«إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ " إحْدَاهُنَّ " أَيْضًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ الْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إحْدَاهُنَّ. قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: بِإِجْمَاعِهِمْ، وَقَالَ ابْن مَنْدَهْ: إسْنَادُهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَهِيَ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا.
وَقَدْ أَلْزَمَ الطَّحَاوِيُّ الشَّافِعِيَّةَ بِذَلِكَ وَاعْتِذَارُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَنْفَعُ الشَّافِعِيَّةَ فَقَدْ وَقَفَ عَلَى صِحَّتِهِ غَيْرُهُ لَا سِيَّمَا مَعَ وَصِيَّتِهِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ إذَا صَحَّ فَهُوَ مَذْهَبُهُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْتَى بِأَنَّ غَسْلَةَ التُّرَابِ غَيْرُ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ بِالْمَاءِ غَيْرَ الْحَسَنِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَتَحَتَّمَ الْعَمَلُ بِهِ، وَأَيْضًا قَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ. وَجَوَابُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مِنْ غَيْرِهِ فَرِوَايَتُهُ أَرْجَح وَلَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ زِيَادَةٌ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا إذَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً.
وَقَدْ خَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْعِتْرَةُ فِي وُجُوبِ التَّتْرِيبِ كَمَا خَالَفُوا فِي التَّسْبِيعِ، وَوَافَقَهُمْ هَهُنَا الْمَالِكِيَّةُ مَعَ إيجَابِهِمْ التَّسْبِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، قَالُوا: لِأَنَّ التَّتْرِيبَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، قَالَ الْقَرَافِيُّ مِنْهُمْ: قَدْ صَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَمْ يَقُولُوا بِهَا وَقَدْ اعْتَذَرَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ التَّتْرِيبَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِأَنَّ رِوَايَةَ التَّتْرِيبِ مُضْطَرِبَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِلَفْظِ أُولَاهُنَّ وَبِلَفْظِ أُخْرَاهُنَّ وَبِلَفْظِ إحْدَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ السَّابِعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ الثَّامِنَةُ، وَالِاضْطِرَابُ يُوجِبُ الِاطِّرَاحَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّتْرِيبِ فِي مَرَّةٍ مِنْ الْمَرَّاتِ وَبِأَنَّ إحْدَاهُنَّ مُبْهَمَةٌ، وَأُولَاهُنَّ مُعَيَّنَةٌ، وَكَذَلِكَ أُخْرَاهُنَّ، وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ.
وَمُقْتَضَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ تُحْمَلَ الْمُبْهَمَةُ عَلَى إحْدَى الْمَرَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ، وَرِوَايَةُ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الْأَكْثَرِيَّةِ وَالْأَحْفَظِيَّةِ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَتْرِيبَ الْآخِرَةِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاجَ إلَى غَسْلَةٍ أُخْرَى لِتَنْظِيفِهِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى أَوْلَى كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ يَكُونُ التَّتْرِيبُ فِي الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا. وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute