بَابٌ الْكُفَّارُ يُحَاصَرُونَ فَيَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ - أَوْ - خَيْرِكُمْ، فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ وَفِي لَفْظٍ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابٌ الْكُفَّارُ يُحَاصَرُونَ فَيَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]
قَوْلُهُ: (قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ) قَدْ اُخْتُلِفَ: هَلْ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْخِطَابِ الْأَنْصَارُ خَاصَّةً أَمْ هُمْ وَغَيْرُهُمْ؟ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ
قَوْلُهُ: (فَإِنِّي أَحْكُمُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِيهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى " فِيهِ " أَيْ فِي هَذَا الْأَمْرِ
قَوْلُهُ: (بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَقَدْ حَكَمْت الْيَوْمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ فَقَالَ: «اُحْكُمْ فِيهِمْ يَا سَعْدُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ بِالْحُكْمِ، قَالَ: قَدْ أَمَرَك اللَّهُ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِمْ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ " وَالْأَرْقِعَةُ بِالْقَافِ جَمْعُ رَقِيعٍ: وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ السَّمَاءِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا رُقِعَتْ بِالنُّجُومِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدْفَعُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْكَرْمَانِيِّ بِحُكْمِ الْمَلَكِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَفَسَّرَهُ بِجِبْرِيلَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ بِالْأَحْكَامِ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ نَزَلَ مِنْ فَوْقُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: زَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ نَبِيِّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ: أَيْ نَزَلَ تَزْوِيجُهَا مِنْ فَوْقُ. قَالَ: وَلَا يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْفَوْقِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ لَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ مِنْ التَّحْدِيدِ الَّذِي يُفْضِي إلَى التَّشْبِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نُزُولُ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَلْزَمُهُمْ مَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ وَاسْتِرْقَاقٍ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ جَلَسُوا فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي الْبَيْتَيْنِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي بَيْتَيْنِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَنْدَقُوا لَهُمْ خَنَادِقَ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، فَجَرَى الدَّمُ فِي الْخَنْدَقِ وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَسْهَمَ لِلْخَيْلِ، فَكَانَ أَوَّلُ يَوْمِ وَقَعَتْ فِيهِ السُّهْمَانِ لَهَا. وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute