للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إذَا عُرِفَ)

ــ

[نيل الأوطار]

[كِتَابُ الْوَصَايَا] [بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْحَيْفِ فِيهَا وَفَضِيلَةِ التَّنْجِيزِ حَالَ الْحَيَاةِ]

قَوْلُهُ: (كِتَابُ الْوَصَايَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَالْهَدَايَا، وَتُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الْمُوصِي، وَعَلَى مَا يُوصَى بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عَهْدٍ وَنَحْوِهِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْإِيصَاءُ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ الِاسْمُ. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عَهْدٌ خَاصٌّ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْوَصِيَّةُ مِنْ وَصَيْت الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَصِيهِ إذَا وَصَلْته وَسُمِّيَتْ وَصِيَّةً لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَصِلُ بِهَا مَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَيُقَالُ: وَصِيَّةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَوَصَاةٌ بِالتَّخْفِيفِ بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَتُطْلَقُ شَرْعًا أَيْضًا عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْحَثُّ عَلَى الْمَأْمُورَاتِ قَوْلُهُ: (مَا حَقُّ) مَا نَافِيَةٌ بِمَعْنَى لَيْسَ، وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَ إلَّا.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ» الْحَدِيثُ أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ، وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ قَوْلُهُ: (مُسْلِمٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِامْتِثَالِ لِمَا يُشْعَرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ قَوْلُهُ: (يَبِيتُ) صِفَةٌ لِمُسْلِمٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: (لَيْلَتَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ ثَلَاثَ لَيَالٍ قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.

وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ، وَالْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>