للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ بَيَانِ زَوَالِ تَطْهِيرِهِ.

٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ» ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ بَيَانِ زَوَالِ تَطْهِيرِهِ]

قَوْلُهُ: (الْمَاءِ الدَّائِمِ) هُوَ السَّاكِنُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ: دَوَّمَ الطَّائِرُ تَدْوِيمًا إذَا صَفَّ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ فَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَبُلْ فِيهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَوْلِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ حُكْمِ الْمَاءِ إذَا لَاقَتْهُ نَجَاسَةٌ، حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بِلَفْظِ: " ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ".

وَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ حُكْمِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ هُنَالِكَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلتَّطْهِيرِ، لِأَنَّ النَّهْيَ هَهُنَا عَنْ مُجَرَّدِ الْغُسْلِ فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ بِمُجَرَّدِهِ، وَحُكْمُ الْوُضُوءِ حُكْمُ الْغُسْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنَزُّهُ عَنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُسْتَقْذِرَاتِ، وَالْوُضُوءُ يُقَذِّرُ الْمَاءَ كَمَا يُقَذِّرُهُ الْغُسْلُ.

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.

وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِمَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ تَكْمِيلِ الطَّهَارَةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَاءِ لَا بِمَا تَسَاقَطَ مِنْهُ، وَأُجِيبُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ لَيْسَتْ كَوْنَهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بَلْ مَصِيرُهُ مُسْتَخْبَثًا بِتَوَارُدِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَبْطُلُ نَفْعُهُ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، وَبِاضْطِرَابِ مَتْنِهِ، وَبِأَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ خُرُوجُ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْجَنَابَةِ، وَالْمُدَّعَى خُرُوجُ كُلِّ مُسْتَعْمَلٍ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ وَعَنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْفَضْلِ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ سَلِمَ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى خُرُوجُ كُلِّ مُسْتَعْمَلٍ، عَنْ الطَّهُورِيَّةِ لَا خُصُوصُ هَذَا الْمُسْتَعْمَلِ وَبِالْمُعَارَضَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِهِ.

وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>