للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَبَائِرِ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ، وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ يَمِينَ صَبْرٍ، فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) .

بَابُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْيَمِينِ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَجَوَازِ تَغْلِيظِهَا بِاللَّفْظِ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ]

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إسْنَادَهُ وَقَالَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّارِ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ فِي اقْتِطَاعِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا لَا قِيمَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (الْكَبَائِرُ. . . إلَخْ) قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، فَذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإسْفَرايِينِيّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَنَسَبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ إلَى الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ وَبَيَانُ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا

قَالَ الطَّيِّبِي: الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُضَافَانِ إلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالثَّوَابُ. فَأَمَّا الطَّاعَةُ فَكُلُّ مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ مَثَلًا فَهُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا بِسَبَبِهَا وَعِيدًا أَوْ عِقَابًا أَزْيَدَ مِنْ الْوَعِيدِ أَوْ الْعِقَابِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهِيَ كَبِيرَةٌ. وَأَمَّا الثَّوَابُ فَفَاعِلُ الْمَعْصِيَةِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَالصَّغِيرَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَبِيرَةٌ، فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُعَاتَبَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمُورٍ لَمْ تُعَدَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مَعْصِيَةً انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَلَامُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ تَخْصِيصُ عُمُومِ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ عَلَامَةَ الْكَبِيرَةِ وُرُودُ الْوَعِيدِ أَوْ الْعِقَابِ فِي حَقِّ فَاعِلِهَا، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مُطْلَقَ قَتْلِ النَّفْسِ مَثَلًا لَيْسَ كَبِيرَةً وَإِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِيهِ وَالْعِقَابُ، لَكِنَّ وُرُودَ الْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ فِي حَقِّ قَاتِلِ وَلَدِهِ أَشَدُّ

فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ وَمَا أَشْبَهَهُ يَنْقَسِمُ إلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْكَبِيرَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُنْتَشِرًا، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ. قَالَ: وَجَاءَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنَارٍ فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَوْجَبَ فِيهِ جَزَاءً فِي الدُّنْيَا. قُلْت: وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظُهُ: الْكَبِيرَةُ مَا أُوجِبَتْ فِيهَا الْحُدُودُ أَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْوَعِيدُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، وَأُخْرِجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ لَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ ضَبَطَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْكَبَائِرَ بِضَوَابِطَ أُخَرَ: مِنْهَا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ

وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: كُلُّ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: هِيَ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ، وَقِيلَ: مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِصَاحِبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>