بِهِمْ وَهُوَ أَعْمَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
١٠٨٤ - (وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ «أَنَّ عِتْبَانُ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَشَارَ إلَى مَكَان فِي الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ إمَامَةِ الْأَعْمَى وَالْعَبْدِ وَالْمَوْلَى]
حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ.
وَفِي الْبَاب عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْخِطْمِيَّ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمّ قَوْمه بَنِي خَطْمَةَ وَهُوَ أَعْمَى عَلَى عَهْد رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَده وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ قَوْلُهُ: (يُصَلِّي بِهِمْ وَهُوَ أَعْمَى) فِيهِ جَوَازُ إمَامَةِ الْأَعْمَى وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ إمَامَةَ الْأَعْمَى أَفْضَل مِنْ إمَامَة الْبَصِير لِأَنَّهُ أَكْثَرُ خُشُوعًا مِنْ الْبَصِيرِ لِمَا فِي الْبَصِيرِ مِنْ شُغْلِ الْقَلْبِ بِالْمُبْصَرَاتِ.
وَرَجَّحَ الْبَعْضُ أَنَّ إمَامَةَ الْبَصِيرِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَوَقِّيًا لِلنَّجَاسَةِ، وَاَلَّذِي فَهَمَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ إمَامَةَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ سَوَاءٌ فِي عَدَم الْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَضِيلَةً، غَيْرُ أَنَّ إمَامَةَ الْبَصِيرِ أَفْضَلُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ جَعَلَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا الْبُصَرَاءُ. وَأَمَّا اسْتِنَابَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي غَزَوَاتِهِ، فَلِأَنَّهُ كَانَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْغَزْو مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَعْذُورٌ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبُصَرَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْ لَمْ يَتَفَرَّغ لِذَلِكَ، أَوْ اسْتَخْلَفَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا إمَامَةُ عِتْبَانُ بْنِ مَالِكٍ لِقَوْمِهِ فَلَعَلَّهُ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْمه مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنْ الْبُصَرَاءِ قَوْله: (كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي» وَهُوَ أَصْرَحُ مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ ظُهُورِ التَّقْدِيرِ بِدُونِ احْتِمَالٍ، قَوْلُهُ: (وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " جَعَلَ بَصَرِي يَكِلُّ " وَفِي أُخْرَى: " قَدْ أَنْكَرْت بَصَرِي " وَلِمُسْلِمٍ: " أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ "، وَاللَّفْظ الَّذِي ذَكَره الْمُصَنِّفُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْمَى.
وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدّ الْعَمَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: " إنَّهُ عَمِيَ فَأَرْسَلَ ". وَقَدْ جُمِعَ بَيْن الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْعَمَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي فَوَات بَعْضِ الْبَصَرِ الْمَعْهُودِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّ عِتْبَانُ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَقِيَهُ حِينَ سَمِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute