لَكُمْ فَكُلُوا مَا شِئْتُمْ وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ وَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا. وَلَا تَبِيعُوهَا وَإِنْ أَطْعَمْتُمْ مِنْ لُحُومِهَا شَيْئًا فَكُلُوا أَنَّى شِئْتُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الصَّدَقَةِ بِالْجُلُودِ وَالْجِلَالِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهَا]
حَدِيثُ قَتَادَةَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ جَرْيِ عَادَتِهِ بِتَعَقُّبِ مَا فِيهِ ضَعْفٌ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: إنَّهُ مُرْسَلٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ) أَيْ: عِنْدَ نَحْرِهَا لِلِاحْتِفَاظِ بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: عَلَى مَصَالِحِهَا فِي عَلْفِهَا وَرَعْيِهَا وَسَقْيِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَدُ الْبُدْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مِائَةُ بَدَنَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ ثَلَاثِينَ بَدَنَةً» كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَوْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهِيَ الْأَصَحُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَجِلَّتِهَا) جَمْعُ جُلَالٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ مِنْ كِسَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِلَالٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْجَازِرَ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لِأَجْلِ الْجِزَارَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّسَائِيّ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْسِمُهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إلَّا مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَالْحَدِيثُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْجَازِرِ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ الَّذِي نَحَرَهُ عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي إعْطَاءِ الْجَازِرِ مِنْهَا لِأَجْلِ أُجْرَتِهِ إلَّا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا بَعْدَ تَوْفِيرِ أُجْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا: وَقَالَ غَيْرُهُمَا إنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ لَوْلَا إطْلَاقُ الشَّارِعِ الْمَنْعَ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَقَعُ مُسَامَحَةٌ مِنْ الْجَازِرِ فِي الْأُجْرَةِ لِأَجْلِ مَا يُعْطَاهُ مِنْ اللَّحْمِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ أَوْ الْهَدِيَّةِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْجِلْدِ وَالْجِلَالِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جُلُودَ الْهَدْيِ وَجِلَالِهَا لَا تُبَاعُ لِعَطْفِهِمَا عَلَى اللَّحْمِ وَإِعْطَائِهِمَا حُكْمَهُ
وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَحْمَهَا لَا يُبَاعُ فَكَذَا الْجُلُودُ وَالْجِلَالُ. وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: مَا شِئْتُمْ فِيهِ إطْلَاقُ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْمُضَحِّي مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَتَفْوِيضُهُ إلَى مَشِيئَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ. وَقَدْ بَيَّنَ الشَّارِعُ وُجُوهَ الِانْتِفَاعِ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَالِادِّخَارِ وَالِائْتِجَارُ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا وَلَا تَبِيعُوهَا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ مَعَهُ وَفِيهِ أَيْضًا الْإِذْنُ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَسْكِهَا غِرْبَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute