للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ]

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي إسْنَادِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ.

وَحَدِيثُ جُنَادَةَ الْأَزْدِيِّ هُوَ مِثْلُ حَدِيثِ جَوَيْرِيَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا حُذَيْفَةَ الْبَارِقِيَّ وَهُوَ مَقْبُولٌ. قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ) زَادَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا قَالَا: نَعَمْ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ - وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ. " وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " وَوَهَمَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ فَعَزَاهَا إلَى مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: (أَنْ يُفْرَدَ بِصَوْمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مُقَيَّدٌ بِالْإِفْرَادِ لَا إذَا لَمْ يُفْرِدْ الْجُمُعَةَ بِالصَّوْمِ كَمَا يَأْتِي فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ: (إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ) أَيْ إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ تَصُومُوا بَعْدَهُ يَوْمًا، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ: " إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ "، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا» وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تُفِيدُ مُطْلَقَ النَّهْيِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ أَوْ صَلَاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ. قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي تُسَمَّى الرَّغَائِبُ قَاتَلَ اللَّهُ وَاضِعَهَا وَمُخْتَرِعَهَا، فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي هِيَ ضَلَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ ظَاهِرَةٌ. وَقَدْ صَنَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُصَنَّفَاتٍ نَفِيسَةً فِي تَقْبِيحِهَا وَتَضْلِيلِ مُصَلِّيهَا وَمُبْتَدِعِهَا وَدَلَائِلِ قُبْحِهَا وَبُطْلَانِهَا وَتَضْلِيلِ فَاعِلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْعِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ. وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى تَحْرِيمَهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى النَّهْيِ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ فِطْرَهُ إذَا وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يَصُومُهَا، وَلَا يُضَادُّ ذَلِكَ كَرَاهَةَ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.

قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بَلْ دَعْوَى اخْتِصَاصِ صَوْمِهِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيِّدَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَهَى عَنْهُ نَهْيًا يَشْمَلُهُ يَكُونُ مُخَصِّصًا لَهُ وَحْدَهُ مِنْ الْعُمُومِ، وَنَهْيًا يَخْتَصُّ بِالْأُمَّةِ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُعَارِضًا لَهُ، إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ لِخُصُوصِهِ لَا مُجَرَّدِ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>