للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْعَامَّةِ فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ بِالنَّهْيِ لِلْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهَا مُطْلَقًا. وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَقَامِ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَوْمٌ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَحْدَهُ، وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّهْيَ صَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ، وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ

قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ عَلَى أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ: مِنْهَا لِكَوْنِهِ عِيدًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ، وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ بِصَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ. وَأَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِيدِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِوَاءَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَنْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ انْتَفَتْ عَنْهُ صُورَةُ التَّحَرِّي بِالصَّوْمِ. وَمِنْهَا لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعَ صَوْمِ غَيْرِهِ مَعَهُ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ جَبْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ يَوْمُ صَوْمِهِ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْجَبْرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصَّوْمِ بَلْ يَحْصُلُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْجَبْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ إفْرَادِهِ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا يَقُومُ مَقَامَ صِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً فِيهِ مَثَلًا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا فَكَأَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّعْفُ لَا مَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْقُوَّةُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَظِنَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ كَمَا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ فَيُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا افْتَتَنَ الْيَهُودُ بِالسَّبْتِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِثُبُوتِ تَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ وَخَوْفِ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِصَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَمِنْهَا خَشْيَةُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا خَشِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ذَلِكَ، قَالَهُ الْمُهَلِّبُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِإِجَازَةِ صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّبَبُ ذَلِكَ لَجَازَ صَوْمُهُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِارْتِفَاعِ الْخَشْيَةِ. وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ النَّصَارَى لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَوْمُهُ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُخَالَفَتِهِمْ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ الْأَوَّلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَلِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوِّعًا مِنْ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>