للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ جَمْع الْمُقِيم لِمَطَرٍ أَوْ غَيْره]

الْحَدِيثُ وَرَدَ بِلَفْظِ: " مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ " وَبِلَفْظِ: " مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ "، قَالَ الْحَافِظُ: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَع مَجْمُوعَا بِالثَّلَاثَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَلْ الْمَشْهُور: " مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ ". قَوْلُهُ: (سَبْعًا وَثَمَانِيًا) أَيْ سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَة لَهُ ذَكَرَهَا فِي بَابِ وَقْت الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّته) قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَقْيِيده، فَرُوِيَ يُحْرِجُ بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَة آخِر الْحُرُوف وَأُمَّته مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُوله، وَرُوِيَ تُحْرَجُ بِالتَّاءِ ثَالِثَة الْحُرُوف مَفْتُوحَة، وَضَمّ أُمَّته عَلَى أَنَّهَا فَاعِله وَمَعْنَاهُ: إنَّمَا فَعَلَ تِلْكَ لِئَلَّا يَشُقّ عَلَيْهِمْ وَيُثْقِل، فَقَصَدَ إلَى التَّخْفِيف عَنْهُمْ. وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ، ذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: صَنَعْت ذَلِكَ لِئَلَّا تُحْرَجَ أُمَّتِي» وَقَدْ ضُعِّفَ بِأَنَّ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَهُوَ مُنْدَفِع، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّم فِيهِ إلَّا بِسَبَبِ رِوَايَته عَنْ الضُّعَفَاء وَتَشَيُّعه وَالْأَوَّل غَيْر قَادِح بِاعْتِبَارِ مَا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ضَعِيف، بَلْ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ كَمَا قَالَ الْهَيْثَمِيُّ. وَالثَّانِي لَيْسَ بِقَدْحٍ مُعْتَدّ بِهِ مَا لَمْ يُجَاوِز الْحَدّ الْمُعْتَبَر وَلَمْ يُنْقَل عَنْهُ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إنَّهُ صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْس بِهِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ ذَلِكَ خُلُقًا وَعَادَةً. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْمَهْدِيِّ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ مُظَفَّرٍ فِي الْبَيَانِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَأَحَدِ قَوْلَيْ النَّاصِرِ وَأَحَد قَوْلَيْ الْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّة ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي كُتِبَ بَعْض هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَكُتِبَ غَيْرهمْ يَقْضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْجُمْهُور إلَى أَنَّ الْجَمْع لِغَيْرِ عُذْر لَا يَجُوز. وَحَكَى فِي الْبَحْر عَنْ الْبَعْض أَنَّهُ إجْمَاع، وَمَنَعَ ذَلِكَ مُسْنِدًا بِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَ.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ بِأَنَّهُ اعْتِدَاد بِخِلَافِ حَادِثِ بَعَدَ إجْمَاع الصَّدْر الْأَوَّل. وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّ الْجَمْع الْمَذْكُور كَانَ لِلْمَرَضِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَر، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْن الصَّلَاتَيْنِ لِعَارِضِ الْمَرَض لَمَا صَلَّى مَعَهُ إلَّا مَنْ لَهُ نَحْو ذَلِكَ الْعُذْر. وَالظَّاهِر أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَته. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْم فَصَلَّى الظُّهْر، ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْم مَثَلًا فَبَانَ أَنَّ وَقْت الْعَصْر قَدْ دَخَلَ فَصَلَّاهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بَاطِل، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَال فِي الظُّهْر وَالْعَصْر فَلَا احْتِمَال فِيهِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاء. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّ نَفْيه الِاحْتِمَالَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْت وَاحِد.

<<  <  ج: ص:  >  >>