بَابُ جَمْع الْمُقِيم لِمَطَرٍ أَوْ غَيْره
١١٧٥ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ: «جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا» وَلَهُ طَرِيق أُخْرَى عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْعَصْر قَالَ فِي التَّلْخِيص: وَهِيَ زِيَادَة غَرِيبَة صَحِيحَة الْإِسْنَاد، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه وَالْعَلَائِيُّ، وَتَعَجَّبَ مِنْ الْحَاكِمِ كَوْنه لَمْ يُورِدهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ. وَلَهُ طَرِيق أُخْرَى رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيل، وَفِيهِ: «ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعَدَ الزَّوَالِ» .
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي السَّفَرِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ. وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ مِنْ جَمْع التَّقْدِيم عَنْهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ بَعْضهَا صَحِيحٌ وَبَعْضهَا حَسَن، وَذَلِكَ يَرُدّ قَوْل أَبِي دَاوُد: لَيْسَ فِي جَمْع التَّقْدِيم حَدِيثٌ قَائِم. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ رُخْصَة الْجَمْع فِي السَّفَر بِمَنْ كَانَ سَائِرًا لَا نَازِلًا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا وَقَعَ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَوْلُهُ: " ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ " لَا يَكُون إلَّا وَهُوَ نَازِل، فَلِمُسَافِرٍ أَنْ يَجْمَع نَازِلًا وَمُسَافِرَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَوْضَحُ دَلِيل فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَجْمَع إلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْر وَهُوَ قَاطِع لِلِالْتِبَاسِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضهمْ أَوَّلَ قَوْله: " ثُمَّ دَخَلَ " أَيْ فِي الطَّرِيق مُسَافِرًا " ثُمَّ خَرَجَ " أَيْ عَنْ الطَّرِيق لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اسْتَبْعَدَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا شَكَّ فِي بُعْده وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَاز، وَكَانَ أَكْثَر عَادَته مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ، يَعْنِي الْمَذْكُور فِي أَوَّل الْبَابِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: تَرْك الْجَمْع أَفْضَل.
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَة أَنَّهُ مَكْرُوه، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُخَصِّص أَحَادِيثَ الْأَوْقَات الَّتِي بَيَّنَهَا جِبْرِيلُ وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرهَا: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute