بَابٌ الْأَمْرُ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَالرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ لِلْعُذْرِ
٣٨٢٨ - (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ» ) .
٣٨٢٩ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ رُؤْيَا قَصَّهَا أَبُو بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا، قَالَ: فَوَاَللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِاَلَّذِي أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: لَا تُقْسِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَالْأَوَّلِ وَعَنْهُ كَالثَّانِي، وَعَنْهُ إنْ قَالَ: قَسَمًا بِاَللَّهِ فَيَمِينٌ جَزْمًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَقْسَمْتُ بِاَللَّهِ قَسَمًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: آلَيْتُ بِاَللَّهِ
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَوْ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ نَعَمْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَتَجِيءُ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ قَوْلُهُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْأَمَانَةُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِهِ فَنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجْلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسْمَاءِ اللَّهِ كَمَا نُهُوا أَنْ يَحْلِفُوا بِآبَائِهِمْ. قَالَ: وَإِذَا قَالَ الْحَالِفُ: وَأَمَانَةُ اللَّهِ كَانَتْ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَعُدُّهَا يَمِينًا، قَالَ: وَالْأَمَانَةُ تَقَعُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ الْوَدِيعَةِ وَالنَّقْدِ وَالْأَمَانِ، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلٍّ مِنْهَا حَدِيثٌ.
[بَاب الْأَمْرِ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهِ لِلْعُذْرِ]
قَوْلُهُ: (وَإِبْرَارُ الْقَسَمِ) أَيْ بِفِعْلِ مَا أَرَادَ الْحَالِفُ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ بَارًّا، قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُقْسِمِ) اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ السِّينِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِالْكَسْرِ وَضَمِّ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ، وَقِيلَ بِفَتْحِ السِّينِ: أَيْ الْإِقْسَامُ وَالْمَصْدَرُ قَدْ يَأْتِي لِلْمَفْعُولِ مِثْلُ أَدْخَلْتُهُ مَدْخَلًا بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَكَذَا أَخْرَجْتُهُ قَوْلُهُ: (فِي حَدِيثِ رُؤْيَا قَصَّهَا) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ: (لَا تُقْسِمْ) أَيْ لَا تَحْلِفْ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ قَوْلُهُ: (وَإِبْرَارُ الْقَسَمِ) ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَاقْتِرَانُهُ بِبَعْضِ مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَإِفْشَاءِ السَّلَامِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ الْوُجُوبِ، وَعَدَمِ إبْرَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَسَمِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَحْسَنِ لَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لِبَيَانِ عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفِعْلَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَبَقِيَّةُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مَوْضِعُهُ غَيْرُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute