حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ فَسُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْغَارِمِينَ]
حَدِيثُ أَنَسٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكَيْنِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَالِكَ. قَوْلُهُ: (حَمَالَةً) بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَلْتَزِمُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ لِيَدْفَعَهُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَإِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِ وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَدِينَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْبَاقِرُ وَالْهَادِي وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو طَالِبٍ
وَرُوِيَ عَنْ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ يُعَانُ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُفَصِّلْ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمَالَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ اقْتَضَتْ غَرَامَةً فِي دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَامَ أَحَدُهُمْ فَتَبَرَّعَ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ وَالْقِيَامِ بِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ تِلْكَ الْفِتْنَةُ الثَّائِرَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَكَانُوا إذَا عَلِمُوا أَنَّ أَحَدَهُمْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً بَادَرُوا إلَى مَعُونَتِهِ أَوْ أَعْطَوْهُ مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ، وَإِذَا سَأَلَ لِذَلِكَ لَمْ يُعَدَّ نَقْصًا فِي قَدْرِهِ بَلْ فَخْرًا. قَوْلُهُ: (فَنَأْمُرَ لَكَ) بِنَصْبِ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (لِرَجُلٍ) يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ
قَوْلُهُ: (جَائِحَةٌ) هِيَ مَا اجْتَاحَ الْمَالَ وَأَتْلَفَهُ إتْلَافًا ظَاهِرًا كَالسَّيْلِ وَالْحَرِيقِ. قَوْلُهُ: (قِوَامًا) بِكَسْرِ الْقَافِ: وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ حَاجَتُهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ: الِاعْتِدَالُ. قَوْلُهُ: (سِدَادًا) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ: مَا تُسَدُّ بِهِ الْحَاجَةُ وَالْخَلَلُ. وَأَمَّا السَّدَادُ بِالْفَتْحِ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُوَ الْإِصَابَةُ فِي النُّطْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ، وَمِنْهُ سَدَادٌ مِنْ عَوَزٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَوِي الْحِجَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْعَقْلَ مُعْتَبَرًا لِأَنَّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا قَالَ: " مِنْ قَوْمِهِ " لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُ بِحَالِهِ وَأَعْلَمُ بِبَاطِنِ أَمْرِهِ، وَالْمَالُ مِمَّا يَخْفَى فِي الْعَادَةِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِحَالِهِ، وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ عَلَى الْإِعْسَارِ
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ غَيْرِ الزِّنَا، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ: (فَاقَةٌ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْفَاقَةُ: الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ. قَوْلُهُ: (فَسُحْتٌ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ: وَهُوَ الْحَرَامُ، وَسُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ يُسْحَتُ: أَيْ يُمْحَقُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصَّصٌ بِمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ مِنْ جَوَازِ سُؤَالِ الرَّجُلِ لِلسُّلْطَانِ وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَزْدَادَنِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ الْجَمِيعُ خَمْسَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute