وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَلْيَدْعُ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِهِ بِالسَّهْوِ]
الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ فِيهَا بَعْضُ اخْتِلَافٍ وَفِي بَعْضِهَا طُولٌ وَجَمِيعُهَا رِجَالُهَا ثِقَاتٌ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ بِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ «إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ غَيْرِهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَعَدْنَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: «فَقُولُوا فِي كُلِّ جِلْسَةٍ» وَأَمَّا سَائِرُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ: " ثُمَّ لْيَتَخَيَّرَ " فَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى إخْرَاجِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا زِيَادَةُ قَوْلِهِ: (لِيَتَخَيَّرَ) إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ «ثُمَّ لِتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ» وَفِي لَفْظٍ: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ» وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ» . قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ» وَقَوْلُهُ: " فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ " فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ وَهُوَ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَرَوَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّشَهُّدِ وَعَدَمِ تَقْيِيدِهَا بِالْأَخِيرِ. وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ التَّشَهُّدُ فِيهَا وَاجِبًا، فَلَمَّا زِيدَتْ لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُمَا الْفَرْضَ الْأَوَّلَ، وَالْمَزِيدُ هُمَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ بِتَشَهُّدِهِمَا. وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِمْرَارُ السَّلَامِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَا كَانَ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّعَقُّبِ مِنْ التَّعَسُّفِ
وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوْسَطَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَى أَصْحَابِهِ مُتَابَعَتَهُ فِي التَّرْكِ وَجَبَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَجَعَ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ عَلَى أَصْحَابِهِ مُتَابَعَتَهُ، وَلَمْ يَكْتَفِ فِي تَجْبِيرِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ: الرُّجُوعَ عَلَى تَسْلِيمِ وُجُوبِهِ لِلْوَاجِبِ الْمَتْرُوكِ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا ذَكَرَهُ الْمُصَلِّي وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ سَبَّحُوا بِهِ فَمَضَى حَتَّى فَرَغَ كَمَا يَأْتِي، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ وَتَرْكُ إنْكَارِهِ عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ مُتَابَعَتَهُ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ تَرْكُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالسَّنَدُ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَتَجْبِيرُهُ بِالسُّجُودِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إنَّمَا يُجْبَرُ بِهِ الْمَسْنُونُ دُونَ الْوَاجِبِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ
وَالْحَاصِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute