للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ قَتْلِ الْجَاسُوسِ إذَا كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا]

حَدِيثُ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ فِي إسْنَادِهِ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ مُحَمَّدُ بْنُ مُجِيبٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ سُفْيَانَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ. وَرَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْأَزْرَقُ الْعَبْدَانِيُّ وَكَانَ ثِقَةً قَوْلُهُ: (أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنٌ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَسُمِّيَ الْجَاسُوسُ عَيْنًا لِأَنَّ عَمَلَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَاسْتِغْرَاقِهِ فِيهَا كَأَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ صَارَ عَيْنًا.

قَوْلُهُ: (فَنَفَّلَنِي) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَنَفَّلَهُ بِالِالْتِفَاتِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى الْغَيْبَةِ. وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ: " فَقَيَّدَ الْجَمَلَ ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ وَجَعَلَ يَنْظُرُ وَفِينَا ضَعَفَةٌ وَرِقَّةٌ فِي الْمَظْهَرِ إذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ " أَدْرِكُوهُ فَإِنَّهُ عَيْنٌ " وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا الْمُعَاهَدُ وَالذِّمِّيُّ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا.

وَحَدِيثُ فُرَاتٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ جَاسُوسُ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ أَوْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِسَبَبِهِ وَكَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، وَإِذَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُبِسَ فَقَطْ قَوْلُهُ: (وَعَنْ فُرَاتٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ: وَهُوَ عِجْلِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>