للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ

٦٨١ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (وَضَعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى. . . إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي حَالَ التَّشَهُّدِ أَنْ لَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى مَا يُجَاوِزُ الْأُصْبُعَ الَّتِي يُشِيرُ بِهَا.

[بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ]

قَوْلُهُ " هُنَيْهَةً " فِي رِوَايَةٍ هُنَيَّة قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَصْلُهُ هُنْوَةٌ فَلَمَّا صُغِّرَتْ صَارَتْ هُنَيْوَةٌ فَاجْتَمَعَتْ يَاءٌ وَوَاوٌ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَقَدْ تُقْلَبُ هَاءً كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: وَالْهَمْزَةُ خَطَأٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ قَالُوهُ بِالْهَمْزِ. قَوْلُهُ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ إمَّا اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَالتَّقْدِيرُ أَنْتَ مَفْدِيٌّ وَأَفْدِيك. قَوْلُهُ: (أَرَأَيْت) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفْتَح التَّاءُ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي. قَوْلُهُ: (مَا تَقُولُ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ قَدْ فَهِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ قَوْلًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْقَوْلِ بِحَرَكَةِ الْفَمِ كَمَا اُسْتُدِلَّ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِاضْطِرَابِ اللِّحْيَةِ:

قَوْلُهُ: (بَاعِدْ) قَالَ الْحَافِظُ: الْمُرَادُ بِالْمُبَاعَدَةِ مَحْوُ مَا حَصَلَ مِنْهَا يَعْنِي الْخَطَايَا وَالْعِصْمَةُ عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا انْتَهَى.

وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَجَازَانِ الْأَوَّلِ: اسْتِعْمَالُ الْمُبَاعَدَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ لِلْأَجْسَامِ فِي مُبَاعَدَةِ الْمَعَانِي

الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُبَاعَدَةِ فِي الْإِزَالَةِ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا لَا يَقْتَضِي الزَّوَالَ، وَمَوْضِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْتِقَاءَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مُسْتَحِيلٌ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمَا اقْتِرَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَرَّرَ لَفْظَ بَيْنَ لِأَنَّ الْعَطْفَ. عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ يُعَادُ فِيهِ الْخَافِضُ. قَوْلُهُ: نَقِّنِي بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ زَوَالِ الذُّنُوبِ وَمَحْوِهَا بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمَّا كَانَ الدَّنَسُ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ أَظْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْوَانِ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ وَالدَّنَسُ الْوَسَخُ الَّذِي يُدَنِّسُ الثَّوْبَ. قَوْلُهُ: (بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ) جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ تَأْكِيدًا أَوْ مُبَالَغَةً كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيَّ لِأَنَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ نَوْعَانِ مِنْ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ غَايَةِ الْمَحْوِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ مُنْقِيَةٍ تَكُونُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَجَازٌ عَنْ صِفَةٍ يَقَعُ بِهَا الْمَحْوُ. وَالْحَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>