للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الشَّيْخَيْنِ. وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ. قَوْلُهُ: (كَانَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ. . . إلَخْ) لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ إرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤] . قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّظَرِ إلَى الْمُصَلَّى وَتَرْكِ مُجَاوَزَةِ الْبَصَرِ لَهُ. قَوْلُهُ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَكْرُوهٍ بَلْ إنْ رَأَى أَوْ سَمِعَ مَا يَكْرَهُ عَمَّمَ " كَمَا قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ كَذَا»

قَوْلُهُ: (يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: نَظَرُ الْمَأْمُومِ إلَى الْإِمَامِ مِنْ مَقَاصِدِ الِائْتِمَامِ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ مُرَاقَبَتِهِ بِغَيْرِ الْتِفَاتٍ أَوْ رَفْعِ بَصَرٍ إلَى السَّمَاءِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ نَظَرَ الْمُصَلِّي يَكُونُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ النَّاسُ إذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ عُمَرُ فَكَانَ النَّاسُ إذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، فَكَانَ عُثْمَانُ وَكَانَتْ الْفِتْنَةُ فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا» . لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ غَيْرُ ابْنُ مَاجَهْ

قَوْلُهُ: (أَوْ لَتُخْطَفَنَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يَعْنِي لَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الِانْتِهَاءُ وَإِمَّا الْعَمَى، وَهُوَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْضِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ. وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَأَعْرَضِ عَنْهَا وَعَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ حَالَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْعَمَى لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ مُحَرَّمٍ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْأَبْصَارِ مِنْ الْأَنْوَارِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ عَلَى الْمُصَلِّي كَمَا فِي حَدِيثِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ وَنَحْوُهُ فِي جَامِعِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ. قَوْلُهُ: (فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) إمَّا بِتَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّجْرِ

قَوْلُهُ: (لِيَنْتَهُنَّ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " لَيَنْتَهِيَنَّ " وَهُوَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ لِلْبُخَارِيِّ فَالْأَكْثَرُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَحَذْفِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>