. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ إذَا نَوَاهُ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ]
قَوْلُهُ: (خَيَّرَنَا) فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «خَيَّرَ نِسَاءَهُ» . قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ الْعَدَدِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمْ يَعْدُدْ» بِفَكِّ الْإِدْغَامِ.
وَفِي أُخْرَى «فَلَمْ يَعْتَدَّ» بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ الِاعْتِدَادِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَفَكَانَ طَلَاقًا؟» عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ «فَهَلْ كَانَ طَلَاقًا؟» وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَقَعُ بِالتَّخْيِيرِ شَيْءٌ إذَا اخْتَارَتْ الزَّوْجَةُ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا هَلْ يَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ يَقَعُ ثَلَاثًا؟ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةً رَجْعِيَّةً. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثًا، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً
وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَعَنْهُمَا: رَجْعِيَّةً، وَإِنَّ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْيِيرَ تَرْدِيدٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهَا لِزَوْجِهَا طَلَاقًا لَاتَّحَدَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِنَفْسِهَا بِمَعْنَى الْفِرَاقِ، وَاخْتِيَارَهَا لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى الْبَقَاءِ فِي الْعِصْمَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسُئِلَ عَنْ الْخِيَارِ فَقَالَ: سَأَلَنِي عَنْهُ عُمَرُ فَقُلْت: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، قَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْتَ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، قَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْت إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، قَالَ: فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ مُتَابَعَتِهِ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ رَجَعْتُ إلَى مَا كُنْتُ أَعْرِفُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَرْسَلَ عُمَرُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ نَظِيرَ مَا حَكَاهُ زَاذَانُ مِنْ اخْتِيَارِهِ
، وَأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ لِكَوْنِهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ ثَلَاثًا بِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ بَتُّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْأَخْذُ أَوْ التَّرْكُ، فَلَوْ قُلْنَا: إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدُ فِي أَسْرِ الزَّوْجِ، وَتَكُونُ كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا. وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّخْيِيرُ كِنَايَةٌ، فَإِذَا خَيَّرَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَخْيِيرَهَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي عِصْمَتِهِ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، فَلَوْ قَالَتْ: لَمْ أُرِدْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِي الطَّلَاقَ، صَدَقَتْ
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ: فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا. وَوَافَقَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ. إنَّ الْمُخَيَّرَةَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، إنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute