بَابُ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ إذَا نَوَاهُ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ
٢٨٦٩ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: ٢٨] الْآيَةَ {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} [الأحزاب: ٢٩] الْآيَةَ، قَالَتْ: فَقُلْت: فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد) .
ــ
[نيل الأوطار]
لَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إسْنَادِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَنْ لَا يُعْرَفُ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهَا انْقِطَاعٌ، وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ إرْسَالَهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ، وَمَدَارُهُ عَلَى جُوَيْبِرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ، وَفِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الطَّبَرَانِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ» وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَمَّنْ سَمِعَ طَاوُسًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ إلَّا أَنَّهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَعْلُولَةٌ، انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي سُقْنَاهَا فِي الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ أُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّا لَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ أَنَّهَا صَالِحَةٌ بِمَجْمُوعِهَا لِلِاحْتِجَاجِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ النَّاجِزُ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ مُطْلَقًا
وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَرَبِيعَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إلَى التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِحَاصِرٍ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ بَلَدِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ صَحَّ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ، وَإِنْ عَمَّمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا مُجَرَّدَ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِإِطْلَاقِ الصِّحَّةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ قَبْلَ النِّكَاحِ مُطْلَقًا لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالنَّذْرُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute