بَابُ الرُّخْصَةِ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.
٣٧ - (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ قَالَ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اجْتَوَوْهَا: أَيْ اسْتَوْخَمُوهَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» .)
ــ
[نيل الأوطار]
ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد وَابْنُ وَهْبٍ.
وَالثَّانِي: يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَالثَّالِثُ: هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِتْرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ الْمَذْهَبَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْبَحْرِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ «إنَّمَا تَغْسِلُ ثَوْبَك مِنْ الْبَوْلِ» . . . إلَخْ، وَهُوَ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ عَلَى ضَعْفِهِ لَا يُعَارِضُ أَحَادِيثَ الْبَابِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ وَهُوَ عَامٌّ، وَبِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَاجِبٌ، وَلَكِنْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنْهُمْ مُؤَلِّفُ الْبَحْرِ لَا يَبْنُونَ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ إلَّا مَعَ الْمُقَارَنَةِ، أَوْ تَأَخُّرِ الْخَاصِّ.
وَأَمَّا مَعَ الِالْتِبَاسِ كَمِثْلِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ اتِّفَاقًا، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّرْجِيحُ مَعَ الِالْتِبَاسِ، وَلَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ أَرْجَحُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ، وَتَرْجِيحُهُ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ بِالظُّهُورِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي الْمِعْيَارِ وَشَرْحِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَعَ الِالْتِبَاسِ الِاطِّرَاحُ فَتَخَالَفَ كَلَامُهُ.
وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمَنَارِ بِأَنَّ الْعَامَّ مُتَقَدِّمٌ وَالْخَاصَّ مُتَأَخِّرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ بِذَلِكَ دَلِيلًا يَشْفِي. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ بِالْقِيَاسِ، فَقَالُوا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ: أَيْ غَسْلًا مُبَالَغًا فِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيُبْعِدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ أَحَادِيثَ الْبَابِ شَيْءٌ يُوجِبُ الِاشْتِغَالَ بِهِ.
[بَابُ الرُّخْصَةِ فِي بَابِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]
قَوْلُهُ: (مِنْ عُكْلٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ قَبِيلَةٌ مِنْ تَيْمٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ عُرَيْنَةَ) بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا: حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَوْ حَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي، وَالشَّكُّ مِنْ حَمَّادٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُحَارِبِينَ عَنْ حَمَّادٍ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ قَالَ: مِنْ عُرَيْنَةَ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ مِنْ عُكْلٍ. وَرَوَاهُ فِي الْجِهَادِ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ، وَلَمْ يَشُكَّ.
وَفِي الزَّكَاةِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ " أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ " وَلَمْ يَشُكَّ أَيْضًا. وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute