فَقَالَ: أَنِكْتَهَا قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ) .
بَابُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَا يُحَدُّ
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ اسْتِفْسَارِ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا وَاعْتِبَارِ تَصْرِيحه بِمَا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ، وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ الْهَضْهَاضِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِيهِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: حَدِيثُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ لَيْسَ يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَمَزْتَ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَزَايٍ، وَالْمُرَادُ لَعَلَّكَ وَقَعَ مِنْك هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَتَجَوَّزْتَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الزِّنَا عَلَيْهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ: «هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ: بَاشَرْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ جَامَعْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» . قَوْلُهُ: (لَا يَكْنِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ مِنْ الْكِنَايَة: أَيْ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحًا وَلَمْ يَكْنِ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ كَالْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (الْمِرْوَدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: الْمِيلُ
قَوْلُهُ: (وَالرِّشَاءُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالرِّشَاءُ كَكِسَاءٍ، الْحَبْلُ، وَفِي هَذَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِثْبَاتِ وَالِاسْتِفْصَالِ مَا لَيْسَ بَعْدَهُ فِي تَطَلُّبِ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا بَلْ اسْتَفْهَمَهُ بِلَفْظٍ لَا أَصْرَحَ مِنْهُ فِي الْمَطْلُوبِ وَهُوَ لَفْظُ النَّيْكِ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَاشَى عَنْ التَّكَلُّمِ بِهِ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ بَلْ صَوَّرَهُ تَصْوِيرًا حِسِّيًّا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَصْوِيرَ الشَّيْءِ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِفْصَالِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِأَصْرَحِ أَسْمَائِهِ وَأَدَلِّهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِفْصَالِ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَا، وَظَاهِرُ ذَلِكَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْن مَنْ يَجْهَلُ الْحُكْمَ وَمَنْ يَعْلَمُهُ وَمَنْ كَانَ مُنْتَهِكًا لِلْحُرُمِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَذَهَبَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِانْتِهَاكِ الْحُرُمِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يُلَقَّنُ إلَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا لِلْحُكْمِ وَإِذَا قَصَّرَ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِفْصَالِ ثُمَّ انْكَشَفَ بَعْدَ التَّنْفِيذِ وُجُودُ مُسْقِطٍ لِلْحَدِّ فَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ إنْ تَعَمَّدَ التَّقْصِيرَ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ قِيَاسًا عَلَى جِنَايَةِ الْخَطَإِ. قَالَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ التَّقْصِيرَ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْمُسْقِطِ عَلَى إسْقَاطِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا الدِّيَةَ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ شُبْهَةً اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ اسْتِفْصَالَ الْمُقِرِّ عَنْ الْمُسْقِطَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَشَرْطٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ يَسْتَلْزِمُ عَدَمُهُ الْعَدَمَ كَمَا هُوَ شَأْنِ سَائِرِ الشُّرُوطِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَالْوَاجِبَاتُ وَالشُّرُوطِ لَا تَثْبُت بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي الْمَقَامِ إلَّا ذَلِكَ وَغَايَتُهُ النَّدْبُ
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْإِمَامَ حَاكِمٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute