٣١٠٧ - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْت؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: أَفَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي قَالَ: نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد) .
٣١٠٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ،
ــ
[نيل الأوطار]
مَجَالِسَ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأَمْكِنَةِ فَرْعُ تَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ الْوَاقِعِ فِيهَا، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْأَصْلِ تَبِعَهُ الْفَرْعُ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا لَوْ فَرَضْنَا اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعًا لَمْ يَسْتَلْزِمْ كَوْنَ مَوَاضِعِهِ مُتَعَدِّدَةً؟ أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ مِمَّا لَا يُخَالِفُ فِي إمْكَانِهِ عَاقِلٌ
وَأَمَّا شَرْعًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَاقِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، فَضْلًا عَنْ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَأَكْثَرُ الْأَلْفَاظِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ بِلَفْظِ " أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ " وَأَمَّا الرَّدُّ الْوَاقِعُ بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَدُّ الْمُقِرِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ الرَّدِّ هُوَ تَعَدُّدُ الْمَجَالِسِ، بَلْ الِاسْتِثْبَاتُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ لِأَجْلِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ " أَنَّهُ جَاءَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَأَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فَطَرَدَهُ ثُمَّ جَاءَ الْيَوْمَ الثَّانِي فَأَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ " وَهَكَذَا يُجَابُ عَنْ الِاسْتِدْلَال بِمَا رَوَى نُعَيْمُ بْنُ هَزَّالٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَضَ عَنْ مَاعِزٍ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَالْإِعْرَاضُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي أَقَرَّ فِيهَا الْمُقِرُّ أَرْبَعَةً بِلَا شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ مَا رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَهُ مِنْ جِهَةٍ وَجْهِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ مِنْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ مِنْ وَرَائِهِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ كَانَ يُقِرُّ كُلَّ مَرَّةٍ فِي جِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْإِعْرَاضَ لِقَصْدِ تَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ أَوْ تَعَدُّدِ مَجَالِسِهِ بَلْ لِقَصْدِ الِاسْتِثْبَاتِ كَمَا سَلَفَ لِمَا سَلَفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute