بَاب مَا جَاءَ فِي مُشَاوَرَة الْإِمَام الْجَيْش وَنُصْحه لَهُمْ وَرِفْقه بِهِمْ وَأَخْذهمْ بِمَا عَلَيْهِمْ
ــ
[نيل الأوطار]
[بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِعَانَة بِالْمُشْرِكِينَ]
حَدِيثُ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي إسْنَادِهِ عِنْدَ النَّسَائِيّ أَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، وَحَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَرِجَالُ إسْنَادِ أَبِي دَاوُد رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا، وَالزُّهْرِيُّ مَرَاسِيلُهُ ضَعِيفَةٌ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " اسْتَعَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَسَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا خَلَفَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ إذَا كَتِيبَةٌ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: بَنُو قَيْنُقَاعِ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: أَوْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: لَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا. وَقَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمُوا» . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُعَارِضُهُمَا فِي الظَّاهِرِ حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ وَحَدِيثُ الْأَزْهَرِيِّ الْمَذْكُورَانِ.
وَقَدْ جُمِعَ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَرَّسَ الرَّغْبَةَ فِي الَّذِينَ رَدَّهُمْ فَرَدَّهُمْ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا فَصَدَّقَ اللَّهُ ظَنَّهُ ".
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لَا أَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ بِعَيْنِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً ثُمَّ رُخِّصَ فِيهَا، قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَذَا أَقْرَبُهَا، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ، وَإِلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ حَيْثُ يَسْتَقِيمُونَ عَلَى أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ. وَاسْتَدَلُّوا بِاسْتِعَانَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِاسْتِعَانَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٌ، وَبِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا سَتَقَعُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُصَالَحَةُ الرُّومِ، وَيَغْزُونَ جَمِيعًا عَدُوًّا مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُنَافِقِ إجْمَاعًا لِاسْتِعَانَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ. وَتَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْفُسَّاقِ عَلَى الْكُفَّارِ إجْمَاعًا وَعَلَى الْبُغَاةِ عِنْدَنَا لِاسْتِعَانَةِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَشْعَثِ، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَعْلُ سَبِيلٍ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّبِيلَ وَهُوَ الْيَدُ، وَهِيَ لِلْإِمَامِ الَّذِي اسْتَعَانَ بِالْكَافِرِ، وَشَرَطَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهُمْ الْهَادَوِيَّةُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ إلَّا حَيْثُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَقِلُّ بِهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute