٣٢٧٠ - (عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إيَّانَا تُرِيدُ يَا
ــ
[نيل الأوطار]
إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الَّذِينَ اسْتَعَانَ بِهِمْ لِيَكُونُوا مَغْلُوبِينَ لَا غَالِبِينَ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَخْرُجُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقِتَالِ وَهُمْ كَذَلِكَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ «أَنَّ قَزْمَانَ خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَقَتَلَ ثَلَاثَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ حَمَلَةَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ لَيَأْزُرُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْل السِّيَرِ.
وَخَرَجَتْ خُزَاعَةُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قُرَيْشٍ عَامَ الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ كَانَ مُشْرِكًا مُطْلَقًا لِمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ " مِنْ الْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " أَنَا لَا أَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ " وَلَا يَصْلُحُ مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ لِمُعَارَضَةِ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَرَاسِيلَ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ، وَالْمُسْنَدُ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا» وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ أُبَيٍّ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِإِظْهَارِهِ الْإِسْلَامَ.
وَأَمَّا مُقَاتَلَةُ قَزْمَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ السُّكُوتُ عَنْ كَافِرٍ قَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ) الْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَالْوَبَرَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا: مَوْضِعٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: (بِالشَّجَرَةِ) اسْمُ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ الْبَيْدَاءُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ عرب: " وَلَا تَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا " أَيْ لَا تَنْقُشُوا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَبِيًّا عَرَبِيًّا، يَعْنِي نَفْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ مِثْلَ مَا كَانَ يَنْقُشُ عَلَى خَاتَمِهِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَامَةً لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَخْتِمُ بِهِ كُتُبَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute