للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَقَضَى أَنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ لِمَنْ بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ)

ــ

[نيل الأوطار]

[أَبْوَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ] [بَابُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا]

حَدِيثُ عُبَادَةَ فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. قَوْلُهُ: (نَخْلًا) اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْجَمْع نَخِيلٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ) التَّأْبِيرُ: التَّشْقِيقُ وَالتَّلْقِيحُ، وَمَعْنَاهُ: شَقُّ طَلْعِ النَّخْلَةِ الْأُنْثَى لِيُذَرَّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ النَّخْلَةِ الذَّكَرِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَخَالَفَهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَا: تَكُونُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَكِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ مُخَالِفٌ لِحَدِيثَيْ الْبَابِ الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ شَرْطٌ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ، وَلَا مِنْ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الثَّمَرَةَ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلشَّارِطِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّرَةٍ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّأْبِيرِ أَنْ يُؤَبِّرَهُ أَحَدٌ بَلْ، لَوْ تَأَبَّرَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَائِلِينَ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي بِقَرِينَةِ الْإِشَارَةِ إلَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ: " مَنْ بَاعَ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَعْضَهَا أَوْ كُلَّهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِهَا. وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلًا بَعْضُهُ قَدْ أُبِّرَ وَبَعْضُهُ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي قَدْ أُبِّرَ لِلْبَائِعِ وَاَلَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ: (وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا) . . . إلَخْ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةُ إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَصْلًا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَالِ إلَى الْمَمْلُوكِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُ وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَأُضِيفَ إلَى الْعَبْدِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَالُ: الْجُلُّ لِلْفَرَسِ، خِلَافُ الظَّاهِرِ.

وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى الْحَلَقَةِ الَّتِي فِي أُذُنِهِ وَالْخَاتَمِ الَّذِي فِي أُصْبُعِهِ وَالنَّعْلِ الَّتِي فِي رِجْلِهِ وَالثِّيَابِ الَّتِي عَلَى بَدَنِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الثِّيَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْعَفْوِ عَنْهَا فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ. الثَّانِي: أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ لِلْعَادَةِ وَبِهِ قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ. الثَّالِثِ: يَدْخُلُ قَدْرُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى، وَالتَّخْصِيصُ بِالْعَادَةِ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ. قَوْلُهُ: (إنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ) فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>