للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْوَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ بَابُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا

٢٢١٣ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .

٢٢١٤ - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى أَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لِمَنْ أَبَّرَهَا

ــ

[نيل الأوطار]

بِمَ تَشْهَدُ وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا؟ ، وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ حَتْمًا لَمْ يُبَايِعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ شَهَادَةٍ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، بَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: ٢٨٣] وَقِيلَ: مُحْكَمَةٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَالطَّبَرِيُّ قَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ عَزِيمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَلَوْ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَنْ يَتْرُكَ الْإِشْهَادَ وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً: إنَّهُ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ. الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمُ بِهِ، وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَرْوَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ وَيُجَابُ أَيْضًا عَنْ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَعَلَهَا بِمَثَابَةِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِخُزَيْمَةَ لَمَّا جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ: " لَا تَعُدْ " أَيْ تَشْهَدُ عَلَى مَا لَمْ تُشَاهِدْهُ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ بِعِلْمِهِ وَجَرَتْ شَهَادَةُ خُزَيْمَةَ فِي ذَلِكَ مَجْرَى التَّوْكِيدِ. وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَاسْتَحَلُّوا الشَّهَادَةَ لِمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ، وَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِهِ بِمُقَارَبَتِهَا فَضْلًا عَنْ مُسَاوَاتِهَا حَتَّى يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>