بَابُ تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ
٢٩٨ - (عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَا يَحْجُبُهُ وَرُبَّمَا قَالَ: لَا يَحْجِزُهُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ لَكِنَّ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَصَرٌ: كَانَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ]
الْحَدِيثُ أَيْضًا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ السَّكَنِ وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَالْبَغَوِيِّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ رَأْسِ مَالِي. وَقَالَ شُعْبَةُ: مَا أُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ رَاوِيهِ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ مَا كَبِرَ، قَالَهُ شُعْبَةُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: كَانَ أَحْمَدُ يُوهِنُ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: خَالَفَ التِّرْمِذِيَّ الْأَكْثَرُونَ، فَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَنْ صَحَّحَهُ مَعَ التِّرْمِذِيِّ. وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ يُحَدِّثُنَا فَنَعْرِفُ وَنُنْكِرُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْجُنُبِ الْقَاسِمُ وَالْهَادِي وَالشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا وَمَا فَوْقَهَا. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ دُونَ آيَةٍ إذْ لَيْسَ بِقُرْآنٍ.
وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ مَا فُعِلَ لِغَيْرِ التِّلَاوَةِ كَيَا مَرْيَمُ اُقْنُتِي، لَا لِقَصْدِ التِّلَاوَةِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ الْبَابِ. وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي سَيَأْتِي. وَحَدِيثِ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ فَإِنْ أَصَابَتْهُ فَلَا، وَلَا حَرْفًا» وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الْقِرَاءَةَ حَالَ الْجَنَابَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يَصْلُحُ مُتَمَسَّكًا لِلْكَرَاهَةِ، فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ؟ . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ مَقَالٌ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، لَا يَنْتَهِضُ مَعَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ» . . . إلَخْ فَهُوَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ، فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا، وَلَا آيَةَ» قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ فَإِنْ صَحَّ هَكَذَا صَلُحَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي الْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا، وَيُؤَيِّدُهُ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute