للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَنَوَى الْإِقَامَة فِيهِ أَرْبَعًا يَقْصُر]

(وَلِمُسْلِمٍ: خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحَجِّ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا وَجْه حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ حَسَبُ مُقَام النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَمِنًى، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ غَيْر هَذَا، وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَدِينَةِ، بَعْدَ أَيَّامَ التَّشْرِيق» وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلّه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا) . .

قَوْلُهُ: (رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) زَادَ الْبَيْهَقِيُّ إلَّا الْمَغْرِب " قَوْلُهُ: (أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا) هَذَا لَا يُعَارِض حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْآتِيَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي فَتْح مَكَّةَ، وَهَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَحْمَدُ) . . . إلَخْ، هَذَا لَا بُدّ مِنْهُ لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُور فِي الْبَابِ. وَمِثْله أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» الْحَدِيث. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ صُبْحَ الرَّابِعَ عَشَرَ، فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَنَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّام بِلَيَالِيهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ: وَيَكُون مُدَّة إقَامَته بِمَكَّةَ أَرْبَعَة أَيَّام لَا سِوَى، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْم الثَّامِن فَصَلَّى بِمِنًى.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: أُطْلِق عَلَى ذَلِكَ الْإِقَامَة بِمَكَّةَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِع مَوَاضِع النُّسُك وَهِيَ فِي حُكْم التَّابِع بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا الْمَقْصُود بِالْأَصَالَةِ، لَا يَتَّجِه سِوَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَأَقَامَ بِهَا الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَخَرَجَ مِنْهَا فِي الثَّامِنِ إلَى مِنًى وَذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي التَّاسِعِ وَعَادَ إلَى مِنًى فِي الْعَاشِرِ، فَأَقَامَ بِهَا الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَنَفَرَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ إلَى مَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ» فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَشَرَة أَيَّامٍ اهـ.

وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِتَرْجَمَةِ الْبَابِ إلَى الرَّدّ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُقِيمًا. وَقَدْ زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَسْبِق إلَى ذَلِكَ وَرَدَّ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ قَالَ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَة عَنْ مَالِكٍ. وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى عُثْمَانَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ.

وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُهَاجِرِينَ عَنْ إقَامَة فَوْق ثَلَاثٍ فِي مَكَّةَ فَتَكُون الزِّيَادَة عَلَيْهَا إقَامَة لَا قَدْر الثَّلَاثِ. وَرَدَّهُ بِأَنَّ الثَّلَاث قَدْر قَضَاءِ الْحَوَائِجِ لَا لِكَوْنِهَا غَيْر إقَامَة. وَذَهَبَتْ الْقَاسِمِيَّةُ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُتِمّ الصَّلَاة إلَّا مَنْ نَوَى إقَامَة عَشْر. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: يُتِمُّ الَّذِي يُقِيمُ عَشْرًا وَاَلَّذِي يَقُولُ: الْيَوْمَ أَخْرُجُ، غَدًا أَخْرُجُ، يَقْصُرُ شَهْرًا، قَالُوا: وَهُوَ تَوْقِيف. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِل الِاجْتِهَادِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يُتِمّ إذَا عَزَمَ عَلَى إقَامَة خَمْسَة عَشَر يَوْمَا. وَاحْتُجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا أَقَمْت بِبَلْدَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>