للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَنَوَى الْإِقَامَة فِيهِ أَرْبَعًا يَقْصُر

١١٦٤ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فِي الْمَسِيرِ وَالْمُقَامِ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ رَجَعُوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَده) .

١١٦٥ - (وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا» . مُتَّفَق عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

جَوَاز الْقَصْر فِي ثَلَاثَة أَمْيَال أَوْ ثَلَاثَة فَرَاسِخَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، لِأَنَّ الْحُكْم عَلَى الْأَقَلّ حُكْم عَلَى الْأَكْثَر وَأَمَّا حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» فَلَيْسَ مِمَّا تَقُوم بِهِ حُجَّة، لِأَنَّ فِي إسْنَاده عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ وَهُوَ مَتْرُوك، وَقَدْ نَسَبه النَّوَوِيُّ إلَى الْكَذِبِ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا تَحِلّ الرِّوَايَة عَنْهُ، وَالرَّاوِي عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيف فِي الْحِجَازِيِّينَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَذْكُور حِجَازِيّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوف عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.

إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا فَالْمُتَيَقَّن هُوَ ثَلَاثَة فَرَاسِخَ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُور فِي الْبَابِ مُتَرَدِّد مَا بَيْنهَا وَبَيْن ثَلَاثَة أَمْيَال، وَالثَّلَاثَة الْأَمْيَال مُنْدَرِجَة فِي الثَّلَاثَة الْفَرَاسِخِ، فَيُؤْخَذ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا، وَلَكِنَّهُ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَافَرَ فَرْسَخًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ هَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّم عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ كَانَ الْفَرْسَخُ هُوَ الْمُتَيَقَّن وَلَا يَقْصُر فِيمَا دُونه إلَّا إذَا كَانَ يُسَمَّى سَفَرًا لُغَة أَوْ شَرْعًا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَنْ قَصَدَ سَفَرًا يَقْصُر فِي مِثْله الصَّلَاة عَلَى اخْتِلَاف الْأَقْوَال مِنْ أَيْنَ يَقْصُرُ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِر: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِمُرِيدِ السَّفَر أَنْ يَقْصُر إذَا خَرَجَ عَنْ جَمِيع بُيُوتِ الْقَرْيَة الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْبُيُوت، فَذَهَبَ الْجُمْهُور إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَة جَمِيع الْبُيُوت، وَذَهَبَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السَّفَر يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِله. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا رَكِبَ قَصَرَ إنْ شَاءَ. وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْأَوَّل بِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْصُر إذَا فَارَقَ الْبُيُوت.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَام عَلَى أَصْل مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُت أَنَّ لَهُ الْقَصْر. قَالَ: وَلَا أَعْلَم أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَرَ فِي سَفَر مِنْ أَسْفَاره إلَّا بَعْد خُرُوجه مِنْ الْمَدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>