للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَسَوْمِهِ إلَّا فِي الْمُزَايَدَةِ]

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ: «نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَأَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَأَخْرَجَ نَحْوَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حَدِيثِهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَزَادُوا «إلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ» .

وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِجَهْلِ حَالِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى عَلَى قَدَحٍ، وَحِلْسٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: هُمَا عَلَيَّ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ آخَرُ: هُمَا عَلَيَّ بِدِرْهَمَيْنِ» وَفِيهِ «أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: (لَا يَبِيعُ) الْأَكْثَرُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى أَنَّ " لَا " نَافِيَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً وَأُشْبِعَتْ الْكَسْرَةُ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: ٩٠] وَهَكَذَا ثَبَتَتْ الْيَاءُ فِي بَقِيَّةِ أَلْفَاظِ الْبَابِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْحُكْمَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْأَخِيرِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ الرَّاجِحِ مُسْتَوْفًى فِي الْأُصُولِ.

وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَقَامِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. قَوْلُهُ: (لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ. . . إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْخِطْبَةِ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسُومُ) صُورَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ فَيَقُولَ الْمَالِكُ: رُدَّهُ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِثَمَنِهِ، أَوْ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ، أَوْ يَقُولَ لِلْمَالِكِ: اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَصْرِيحًا فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا خِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّكُونِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُبَيِّنٍ لِمَوْضِعِ التَّحْرِيمِ فِي السَّوْمِ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ لَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّوْمَ الْمُحَرَّمَ مَا وَقَعَ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ: افْسَخْ لِأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ، أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ: افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنًا فَاحِشًا، وَإِلَّا جَازَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ لِحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّصِيحَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَرِّفَهُ أَنَّ قِيمَتَهَا كَذَا فَيَجْمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّصِيحَةِ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِتَحْرِيمِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>