. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْمُكَاتَبِ]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُكَاتَبِ) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ: مَنْ تَقَعُ لَهُ الْكِتَابَةُ، وَبِكَسْرِهَا: مَنْ تَقَعُ مِنْهُ وَالْكِتَابَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَالَ الرَّاغِبُ: اشْتِقَاقُهَا مِنْ كَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] أَوْ بِمَعْنَى جَمَعَ وَضَمَّ، وَمِنْهُ كَتَبَ الْخَطَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ مَعْنَى الِالْتِزَامِ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ الْخَطِّ لِوُجُودِهِ عِنْدَ عَقْدِهَا غَالِبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ: الْكِتَابَةُ إسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُتَعَارَفَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَدْ كَانُوا يُكَاتِبُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ: (أَنَّ بَرِيرَةَ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ هَذَا الِاسْمِ وَبَيَانُ اشْتِقَاقِهِ فِي بَابِ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْوَلَاءَ أَوْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ أَيْضًا قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَبُّوا،. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إذَا بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ فَقَالَ: " أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْت " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وُهَيْبٍ عَنْ هِشَامٍ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا، إذْ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي " وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ: " ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ ": السَّادَةُ، وَالْأَهْلُ فِي الْأَصْلِ: الْآلُ، وَفِي الشَّرْعِ: مَنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ) هُوَ مِنْ الْحِسْبَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ تَحْتَسِبُ الْأَجْرَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ لَهَا وَلَاءٌ
قَوْلُهُ: (فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَنِي " وَفِي أُخْرَى لَهُ: " فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ " قَوْلُهُ: (ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي) هُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ» قَوْلُهُ: (عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ) فِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " خَمْسُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ " وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ رِوَايَةُ التِّسْعِ، وَقَدْ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ رِوَايَةَ الْخَمْسِ غَلَطٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ التِّسْعَ أَصْلٌ وَالْخَمْسُ كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ: " وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا " وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَصَّلَتْ الْأَرْبَعَ الْأَوَاقِي قَبْلَ أَنْ تَسْتَعِينَ ثُمَّ جَاءَتْهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسٌ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُجَابُ بِأَنَّ الْخَمْسَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهَا بِحُلُولِ نَجْمِهَا مِنْ جُمْلَةِ التِّسْعِ الْأَوَاقِي الْمَذْكُورَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ذَكَرَهَا فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِلَفْظِ: " فَقَالَ أَهْلُهَا: إنْ شِئْت أَعْطَيْت مَا يَبْقَى " وَقَدْ قَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ، وَلَهُ فَوَائِدٌ أُخَرُ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute