للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَصِفَتِهِ وَمَا جَاءَ فِي مَسْحِ بَعْضِهِ

١٨٨ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) .

ــ

[نيل الأوطار]

غَيْرِ تَخْلِيلٍ، فَلَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّخْلِيلُ لَا لِذَاتِهِ لَكِنْ لِأَدَاءِ فَرْضِ الْغَسْلِ انْتَهَى. وَالْأَحَادِيثُ قَدْ صَرَّحَتْ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَثَبَتَتْ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ بِدُونِ تَخْلِيلٍ وَعَدَمِهِ، وَلَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَالتَّقْيِيدُ بِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ بِعَدَمِ إمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

[بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَصِفَتِهِ وَمَا جَاءَ فِي مَسْحِ بَعْضِهِ]

قَوْلُهُ: (مَسَحَ رَأْسَهُ) زَادَ ابْنُ الصَّبَّاغِ كُلَّهُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ فَقِيلَ: يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ الَّذِي يَلِي الْوَجْهَ، وَيَذْهَبُ بِهِمَا إلَى الْقَفَا ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَهُوَ مُبْتَدَأُ الشَّعْرِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِيهَا بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّهُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ لِأَنَّ الذَّهَابَ إلَى جِهَةِ الْقَفَا إدْبَارٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ: (فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ) وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ قَوْلِهِ: أَقْبَلَ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِالْقُبُلِ، وَقَوْلُهُ: أَدْبَرَ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِالدُّبُرِ، فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِأَهْلِ الْأُصُولِ فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ، هَلْ يَكُونُ بِابْتِدَائِهِ أَوْ بِانْتِهَائِهِ، قَالَهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ. وَقَدْ أُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ. وَيَمُرُّ إلَى جِهَةِ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْمُؤَخَّرِ مُحَافَظَةً عَلَى قَوْلِهِ: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ.

وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالنَّاصِيَةِ وَيَذْهَبُ إلَى نَاحِيَةِ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى جِهَةِ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا بَدَأَ مِنْهُ وَهُوَ النَّاصِيَةُ.

وَفِي هَذِهِ الصِّفَةِ مُحَافَظَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) وَعَلَى قَوْلِهِ: (أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ) فَإِنَّ النَّاصِيَةَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ، وَالذَّهَابُ إلَى نَاحِيَةِ الْوَجْهِ إقْبَالٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ وَوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِهِ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ وَمَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>