٢٨٧٠ - (وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: الْكِلَابِيَّةَ بَدَلَ ابْنَةِ الْجَوْنِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى لَفْظَةَ الْخِيَارِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَاحِدَةً لَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ يُكْرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُهُ) .
٢٨٧١ - (وَفِي حَدِيثِ تَخَلُّفِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «لَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، وَإِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْت: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبَنَّهَا، قَالَ: فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
٢٨٧٢ - (وَيُذْكَرُ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ مَا رَوَى
ــ
[نيل الأوطار]
احْتِيَاجٍ إلَى نُطْقٍ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ فِيهَا {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] أَيْ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ، وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّخْيِيرِ: هَلْ هُوَ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ؟
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: الْمُصَحَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ بِشَرْطِ الْمُبَادَرَةِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ تَرَاخَتْ بِمِقْدَارِ مَا يَنْقَطِعُ الْقَبُولَ عَنْ الْإِيجَابِ ثُمَّ طَلُقَتْ لَمْ يَقَعْ، وَفِي وَجْهٍ: لَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقَاصِّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَتْهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَوْرُ بَلْ مَتَى طَلُقَتْ نَفَذَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: «إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ إلَّا أَنْ يَقَعَ التَّصْرِيحُ مِنْ الزَّوْجِ بِالْفُسْحَةِ لِأَمْرٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَيَتَرَاخَى كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ، لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ خِيَارٍ كَذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute