للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ شَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْغَبْنِ

٢٢٢٩ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: مَنْ بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

٢٢٣٠ - (وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْتَاعُ وَكَانَ فِي

ــ

[نيل الأوطار]

الْوَلَاءِ بَاطِلٌ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَرِيرَةَ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ الْعِلْمُ بِبُطْلَانِهِ أَطْلَقَ الْأَمْرَ مُرِيدًا بِهِ التَّهْدِيدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] فَكَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا» . . . إلَخْ فَوَبَّخَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ: مُشِيرًا إلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ بَيَانُ إبْطَالِهِ، إذْ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا بِالتَّوْبِيخِ بِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لَهُ إذْ هُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِقَصْدِ أَنْ يُعَطِّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطَهُمْ لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ، وَقِيلَ: مَعْنَى اشْتَرِطِي اُتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا يَشْتَرِطُونَهُ وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا إلَيْهِ مُرَاعَاةً لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ إلَيْهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ وَهُوَ كَفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إزَالَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ إذَا اسْتَلْزَمَ إزَالَةَ أَشَدِّهِمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا لِلْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: اشْتَرِطِي مُجَرَّدَ وَعْدٍ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفِي بِذَلِكَ الْوَعْدِ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا لِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ بِخُطْبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) فِيهِ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَقْتَضِيهِ " إنَّمَا " الْحَصْرِيَّةُ، وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مُحَالَفَةٌ. وَلَا لِلْمُلْتَقِطِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>