للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ وَخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِالتَّجَلِّي

١٣٣٩ - (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: «لَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ

ــ

[نيل الأوطار]

الْمُصَنِّفُ عَنْ شَيْخِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ: " صَلَّى بِنَا " لَا يَصِحُّ، قَالَ: الْحَسَنُ لَمْ يَكُنْ بِالْبَصْرَةِ لَمَّا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَا، وَقِيلَ: إنَّ هَذَا مِنْ تَدْلِيسَاتِهِ، وَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " صَلَّى بِنَا ": أَيْ صَلَّى بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ.

وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّجْمِيعِ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ. أَمَّا الْأَوَّل فَلِقَوْلِهِ فِيهِ: " فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا كَذَلِكَ ". . . إلَخْ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ " إنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يُصَلِّي " وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صِفَتُهَا مِنْ الْإِقْصَار فِي كُلّ رَكْعَة عَلَى رُكُوعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا أَنَّهَا مَفْعُولَةُ فِي خُصُوص ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهَا فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ.

نَعَمْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَذِكْرُ الْقَمَرِ فِي الْأَوَّلِ مُسْتَغْرَبٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَالثَّانِي فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبٍ عَنْ طَاوُسٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ بِدُونِ ذَكَرِ الْقَمَرِ.

وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّبْوِيبِ عَلَى ذِكْرِ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّ التَّجْمِيعَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ: بَلْ الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِيهِمَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: إنَّهَا شَرْطٌ فِي الْكُسُوفِ فَقَطْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: إنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ فُرَادَى. وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: أَنَّ الِانْفِرَادَ شَرْطٌ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَمْرَانِ.

احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَيْسَ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ شَرْطُ أَوْ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّجْمِيعِ دَلِيلٌ. وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ: لَمْ يَرِدْ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطُ التَّجْمِيعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَضْلًا عَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْفِي أَوْلَوِيَّةَ التَّجْمِيعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>