للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

ــ

[نيل الأوطار]

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: عَزَّ فَلَمَّا عَزَّ حَكَمَ، سَادِسُهَا: بِالشَّرَفِ وَالْفَضْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: ٦٩] وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَصِيَّةِ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَقَعُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا بَعْدَ الْمَيِّتِ بِنَوْعِ تَفْرِيطٍ، فَوَقَعَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ

وَقَالَ غَيْرُهُ: قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا شَيْءٌ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالدَّيْنُ يُؤْخَذُ بِعِوَضٍ، فَكَانَ إخْرَاجُ الْوَصِيَّةِ أَشَقَّ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ إخْرَاجِ الدَّيْنِ وَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَارِثَ مُطْمَئِنٌّ بِإِخْرَاجِهِ، فَقُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا فَهِيَ حَظُّ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ غَالِبًا، وَالدَّيْنُ حَظُّ غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِقُوَّةٍ وَلَهُ مَقَالٌ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَقَالًا» وَأَيْضًا فَالْوَصِيَّةُ يُنْشِئُهَا الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَقُدِّمَتْ تَحْرِيضًا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا خِلَافَ الدَّيْنِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمُهَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا قَدْ ذُكِرَا فِي سِيَاقِ الْبَعْدِيَّةَ، لَكِنَّ الْمِيرَاثَ يَلِي الْوَصِيَّةَ وَلَا يَلِي الدَّيْنَ فِي اللَّفْظِ، بَلْ هُوَ بَعْدَ بَعْدِهِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ فِي الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْلِيَّةَ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَبِاعْتِبَارِ الْبَعْدِيَّةَ فَتُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ اهـ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ قَالَ قَضَى مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» ، وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِالِاتِّفَاقِ الَّذِي سَلَفَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ

قَوْلُهُ: (قَدْ أَدَّيْت عَنْهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فِي قَضَاءِ دُيُونِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَسْأَلَةٌ: وَلِلْوَصِيِّ اسْتِيفَاءُ دُيُونِ الْمَيِّتِ وَإِيفَاؤُهَا إجْمَاعًا لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا مُحِقَّةٌ) لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِوَحْيٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>