. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْجَامِعَةُ لِلْخَيْرِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلْكَمَالِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ بِزِيَادَةِ: " وَأَعْرَاضَكُمْ " وَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ سَفْكَ دِمَائِكُمْ وَأَخْذَ أَمْوَالِكُمْ وَسَلْبَ أَعْرَاضِكُمْ.
وَالْعِرْضُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ سَلَفَهُ أَوْ نَفْسَهُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَ، فَأَشْهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى أَدَاءِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَرُبَّ مُبَلَّغٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ رُبَّ شَخْصٍ بَلَغَهُ كَلَامِي فَكَانَ أَحْفَظَ لَهُ وَأَفْهَمَ لَمَعْنَاهُ مِنْ الَّذِي نَقَلَهُ لَهُ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ رُبَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ. قَالَ الْحَافِظُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي التَّكْثِيرِ بِحَيْثُ غَلَبَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ.
قَالَ: لَكِنْ يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّقْلِيلَ هُنَا مُرَادٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: «عَسَى أَنْ يَبْلُغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» وَقَوْلُهُ: (أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) نَعْتٌ لِمُبَلِّغٍ وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِرُبَّ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ يُوجَدُ أَوْ يَكُونُ، وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّ رُبَّ اسْمٌ أَنْ تَكُونَ هِيَ مُبْتَدَأً، وَأَوْعَى الْخَبَرُ، فَلَا حَذْفَ وَلَا تَقْدِيرَ قَوْلُهُ: (فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ حَقِّ. وَالثَّانِي: الْمُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنْ الْكُفْرِ وَيُؤَدِّي إلَيْهِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكُفَّارِ. وَالْخَامِسُ: الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ، وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا بَلْ دُومُوا مُسْلِمِينَ. وَالسَّادِسُ: حَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُفَّارِ: الْمُتَكَفِّرُونَ بِالسِّلَاحِ، يُقَالُ: تَكَفَّرَ الرَّجُلُ بِسِلَاحِهِ إذَا لَبِسَهُ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ: يُقَالُ لِلَابِسِ السِّلَاحِ: كَافِرٌ. وَالسَّابِعُ مَعْنَاهُ لَا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا قِتَالَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. قَالَ: وَالرِّوَايَةُ يَضْرِبُ بِرَفْعِ الْبَاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَبِهِ يَصِحُّ الْمَقْصُودُ هُنَا.
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إنَّهُ يَجُوز جَزْمُ الْبَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مُضْمَرٍ: أَيْ أَنْ تَرْجِعُوا يَضْرِبْ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَعْدِي: أَيْ بَعْدَ فِرَاقِي مِنْ مَوْقِفِي هَذَا، كَذَا قَالَ الطَّبَرِيُّ، أَوْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَقَّقَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَتَأْكِيدُ تَحْرِيمِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَتَغْلِيظِهَا بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute