للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ لِلْفَائِدَةِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَفُضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَقُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

قَوْلُهُ: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ يَحْصُلُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَا يَجْعَلُ الْأَرْضَ مَسْجِدًا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَحْوِيطُهُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ مُسَمَّى الْبِنَاءِ وَالتَّنْكِيرُ فِي مَسْجِدٍ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا بِزِيَادَةِ لَفْظِ «كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا» وَيَدُلُّ لِذَلِكَ رِوَايَةُ " كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ " وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ ثَابِتَةٌ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَمْرِو عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ جَابِرٍ، وَحَمَلَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُهُ الْقَطَاةُ لِتَضَعَ فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَزِيدُ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَيَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ بُكَيْر: حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ يَعْنِي شَيْخَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ «يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ» قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْر فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَهَا إلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَيْهِ لَفْظُهُمْ «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا» فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ انْتَهَى. وَلَكِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: " مَنْ بَنَى لِلَّهِ " فَإِنَّ الْبَانِيَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ لَيْسَ بَانِيًا لِلَّهِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِزِيَادَةِ «لَا يُرِيدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً»

قَوْلُهُ: «بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ " مِثْلَهُ " وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِثْلَهُ فِي الْقَدْرِ وَالْمِسَاحَةِ وَيَرُدُّهُ زِيَادَةُ «بَيْتًا أَوْسَعَ مِنْهُ» عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ بِلَفْظِ «أَفْضَلَ مِنْهُ» وَقِيلَ مِثْلُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالْحَصَانَةِ وَطُولِ الْبَقَاءِ وَيَرُدُّهُ أَنَّ بِنَاءَ الْجَنَّةِ لَا يَخْرَبُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَلَا مُمَاثَلَةَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: هَذِهِ الْمِثْلِيَّةُ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنْ يُبْنَى لَهُ بِثَوَابِهِ بَيْتًا أَشْرَفَ وَأَعْظَمَ وَأَرْفَعَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَعْنَاهُ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ، وَأَمَّا صِفَتُهُ فِي السِّعَةِ وَغَيْرِهَا فَمَعْلُومٌ فَضْلُهَا فَإِنَّهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ فَضْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>