بَابٌ فِي أَنَّ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْمَشْيَ الْيَسِيرَ لِلْحَاجَةِ لَا يُكْرَهُ
٨٥٩ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
كَانَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا خِلَافٍ
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَصَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ دَلَّكَهُ بِنَعْلِهِ» قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ النَّوَوِيِّ تَصْرِيحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَأَنَّ دَفْنَهَا كَفَّارَةٌ لَهَا فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى كَتْبِ الْخَطِيئَةِ بِمُجَرَّدِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ ظَاهِرَةٌ غَايَةَ الظُّهُورِ، وَلَكِنَّهَا تَزُولُ بِالدَّفْنِ وَتَبْقَى بِعَدَمِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَحَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْمَنْعَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ. انْتَهَى
قَوْلُهُ: (فَيَدْفِنُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرِّيَاضِ: يَدْفِنُهَا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُرَابِيًّا أَوْ رَمْلِيًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُبَلَّطًا مَثَلَا فَدَلَّكَهَا بِشَيْءٍ مَثَلًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي التَّقَذُّرِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَلْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ. وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ دَلَّكَهُ بِنَعْلِهِ
قَوْلُهُ: (أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا ذَكَرَ وَظَاهِرُ النَّهْيِ عَنْ الْبَصْقِ إلَى الْقِبْلَةِ: التَّحْرِيمُ. وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ رَبَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَبِأَنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْقِبْلَةِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ لَا وَلَا سِيَّمَا مِنْ الْمُصَلِّي فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ كَرَاهِيَةَ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ هِيَ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ لِلتَّحْرِيمِ؟ وَفِي صَحِيحَيْ ابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «يُبْعَثُ صَاحِبُ النُّخَامَةِ فِي الْقِبْلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ فِي وَجْهِهِ» وَلِأَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ «أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُصَلِّي لَكُمْ» الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ: " إنَّك آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ " انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute