. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى الثِّيَابِ لِاتِّقَاءِ حَرِّ الْأَرْضِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ هِيَ الْأَصْلُ لِتَعْلِيقِ بَسْطِ ثَوْبٍ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ، وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الثَّوْبِ الْمُنْفَصِلِ
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَاجُ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ إلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَفْظَ ثَوْبِهِ دَالٌّ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ، إمَّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَهُوَ تَعْقِيبُ السُّجُودِ بِالْبَسْطِ، وَإِمَّا مِنْ خَارِجِ اللَّفْظِ وَهُوَ قِلَّةُ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُورِضَ هَذَا الْحَدِيثُ بِحَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْأَرْبَعِينَ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ: «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ، فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يَشْكِنَا» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِ لَفْظِ حَرَّ وَبِدُونِ لَفْظِ جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا. وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الشِّكَايَةَ كَانَتْ لِأَجْلِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَبْرُدَ الْحَرُّ، لَا لِأَجْلِ السُّجُودِ عَلَى الْحَائِلِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَذِنَ لَهُمْ بِالْحَائِلِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَيْوَانَ السَّبَئِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ إلَى جَنْبِهِ وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ فَحَسَرَ عَنْ جَبْهَتِهِ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: ارْفَعْ عِمَامَتَك» فَلَا تُعَارِضُهُمَا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ يَعْنِي مَرْفُوعًا. وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. مِنْهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَمِنْهَا عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِيهِ قَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْهَا عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُمَا مَتْرُوكَانِ. وَمِنْهَا عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ، وَفِيهِ حَسَّانُ بْنُ سَيَّارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ إنْ كَانَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَصْلٌ فِي الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَيْوَانَ وَعِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَأَحَادِيثُ سُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ الْحَسَنِ الْآتِي عَلَى الْعُذْرِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَأَبُو بَكْرٍ الْمُزَنِيّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَمِنْ الْمَانِعِينَ عَنْ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَإِبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَيْمُونِ بْنُ مِهْرَانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ، رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute