للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أَكْفِت الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (أُمِرَ) قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَعُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَنَظَرَهُ الْحَافِظُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ لَفْظَ أُمِرَ دَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ صِيغَةِ أَفْعَلَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاقْتِضَائِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ عُمُومَ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ (أُمِرْنَا) هُوَ دَالٌّ عَلَى الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةِ أَعْظُمٍ) سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَظْمًا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى عِظَامٍ بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا كَذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ

قَوْلُهُ: (وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيِّنِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ: شَعْرُ الرَّأْسِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْكَ الْكَفِّ وَاجِبٌ حَالَ الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا، وَرَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ. قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرِينَ. قَوْلُهُ: (الْجَبْهَةِ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَبْهَةَ وَأَشَارَ إلَى الْأَنْفِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: إنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِالْجَبْهَةِ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَيِّنَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ، وَعَدَمُ التَّعْيِينِ الْمُدَّعَى مَمْنُوعٌ، وَقَدْ صَرَّحَ النُّحَاةُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهَا يَقَعُ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ وَفِي الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَلِهَذَا جَعَلُوهَا أَعْرَفَ مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: إنَّهَا أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا، فَيَكُونَ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُ الْعُضْوِ وَهُوَ يَكْفِي كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَأَنْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>