. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إلَى الْفِطْرِ لَا تَدُلُّ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ بَلْ تَقْتَضِي إضَافَةَ هَذِهِ الزَّكَاةِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَيُطْلَبُ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: انْتَصَبَ صَاعًا عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ) ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُخْرِجُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا دَاوُد فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُمَكِّنَ عَبْدَهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ كَوْنِ الْوُجُوبِ عَلَى السَّيِّدِ حَدِيثُ: «لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ»
قَوْلُهُ: (الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءً كَانَ زَوْجٌ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا تَبَعًا لِلنَّفَقَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ أُعْسِرَ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَخْرُجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ مُرْسَلًا: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَزَادَ فِي إسْنَادِهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ. قَوْلُهُ: (الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ) وُجُوبُ فِطْرَةِ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ، وَالْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَلِيُّهُ إنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هِيَ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ صَامَ.
وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بِلَفْظِ «صَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ التَّطْهِيرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُذْنِبُ كَمُتَحَقِّقِ الصَّلَاحِ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ، قَالَ فِيهِ: وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْجَنِينَ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَسْتَحِبُّهُ وَلَا يُوجِبَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَلْ يُخْرِجُهَا عَنْ غَيْرِهِ كَمُسْتَوْلَدَتِهِ الْمُسْلِمَةِ، نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لَكِنْ فِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهَلْ يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا، خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يُبْنَى عُمُومُ قَوْلِهِ: " فِي عَبْدِهِ " عَلَى خُصُوصِ قَوْلِهِ: " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: " فِي عَبْدِهِ " مِنْ وَجْهٍ، وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ، فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ تَحَكُّمٌ، وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute