للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

مِنْهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، لَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْ عِلَّةٍ. وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ فَلَا مُعَدَّلَ عَنْهُ.

وَأُمَّا التَّعْلِيلُ بِخَشْيَةِ قِلَّةِ الظَّهْرِ فَأَجَابَ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْمُعَارَضَةِ بِالْخَيْلِ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنْ الْحُمُرِ وَالْإِذْنَ فِي الْخَيْلِ مَقْرُونَانِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَجْلِ الْحُمُولَةِ لَكَانَتْ الْخَيْلُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ وَعِزَّتِهَا وَشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ «أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَدْ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، قَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَالِّ الْقَرْيَةِ» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ جَمْعُ جَالَّةٍ، مِثْلُ سَوَامِّ جَمْعِ سَامَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهَوَامِّ جَمْعِ هَامَّةٍ: يَعْنِي الْجَلَّالَةَ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. وَالْحَدِيثُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ: وَالْمَتْنُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ كَثِيرًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٌ وَالْبَرَاءُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَأَنَسٌ وَزَاهِرٌ الْأَسْلَمِيُّ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ وَحِسَانٍ. وَحَدِيثُ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ لَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ مَا يُعَارِضُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لَهُمْ فِي مَجَاعَتِهِمْ وَبَيَّنَ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا الْمُطْلَقِ بِكَوْنِهَا تَأْكُلُ الْعَذِرَاتِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ نَصْرٍ الْمُحَارِبِيَّةِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ: أَلَيْسَ تَرْعَى الْكَلَأَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: فَأَصِبْ مِنْ لُحُومِهَا» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ قَالَ: سَأَلْتُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. فَقَالَ الْحَافِظُ فِي السَّنَدَيْنِ مَقَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَوْلَا تَوَاتُرُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ لَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حَلَّهَا، لِأَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ مِنْ الْأَهْلِيِّ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ إذَا كَانَ وَحْشِيًّا كَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى حِلِّ الْوَحْشِيِّ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حِلَّ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي نَظِيرِهِ الْحَيَوَانُ الْوَحْشِيُّ كَالْهِرِّ. قَوْلُهُ: (كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلُهُ: (الْمُجَثَّمَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهِيَ كُلُّ حَيَوَانٍ يُنْصَبُ وَيُقْتَلُ، إلَّا إنَّهَا قَدْ كَثُرَتْ فِي الطَّيْرِ وَالْأَرْنَبِ وَمَا يَجْثُمُ فِي الْأَرْضِ: أَيْ يَلْزَمُهَا، وَالْجَثْمُ فِي الْأَصْلِ: لُزُومُ الْمَكَانِ أَوْ الْوُقُوعُ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ التَّلَبُّدُ بِالْأَرْضِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، التَّجْثِيمُ نَوْعٌ مِنْ الْمُثْلَةِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>