٣٢٢٧ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
فِيهِ: " النَّارُ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ " وَيُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ الْعَدْلِيَّةِ لِعَدَمِ وُقُوعِ مُوجِبِ التَّعْذِيبِ مِنْهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسْأَلَةَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِ الْآخِرَةِ مِنْ الْمَعَارِكِ الشَّدِيدَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا وَلَهَا ذُيُولٌ مُطَوَّلَةٌ لَا يَتَّسِعُ لَهَا الْمَقَامُ.
وَفِي الْوَقْفِ عَنْ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ سَلَامَةٌ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَضِيقٍ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَلَا أَلْجَأَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ هَلْ يُقْتَلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ؟ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» .
قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إبَاحَةَ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إلَيْهِمْ، بَلْ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى الْآبَاءِ إلَّا بِوَطْءِ الذُّرِّيَّةِ، فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ جَازَ قَتْلُهُمْ. انْتَهَى. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ إلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: «لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ.
وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِحَالٍ، حَتَّى لَوْ تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ وَلَا تَحْرِيقُهُمْ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ إلَى الْجَمْعِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالُوا: إذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ قَتْلُهَا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فَرَأَى الْمَرْأَةَ مَقْتُولَةً، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ» فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهَا لَوْ قَاتَلَتْ لَقُتِلَتْ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى مِثْلِ الْقَصْدِ إلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَمَحَلُّهُ كِتَابُ الْجَنَائِزِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى: أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لِمَا فِي قَوْلِهِ: " مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ ". فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الْأَوْلَادِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ، وَنَفْعُهُمْ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ لِأَجْلِ إسْلَامِ أَبِيهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute