للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ

٢٩١١ - (عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبْطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، قَالَ: فَأُنْبِئْت أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ هِلَالٌ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْلَمُ أَنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] إلَى آخِرِ الْآيَةِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ

ــ

[نيل الأوطار]

التَّلَكُّؤِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّكَلُّمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْآخَرِ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ، لَا يُعْمَلُ بِهِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُوَ التَّصْرِيحُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِصِدْقِ الْآخَرِ وَالِاعْتِرَافُ الْمُحَقَّقُ بِالْكَذِبِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ، أَوْ الْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ

قَوْلُهُ: (اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ حَامِلًا وَقْتَ اللِّعَانِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْضًا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ عَلَى الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ) الْأَكْحَلُ: الَّذِي مَنَابِتُ أَجْفَانِهِ سُودٌ كَأَنَّ فِيهَا كُحْلًا. قَوْلُهُ: (سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ: أَيْ عَظِيمَهُمَا. قَوْلُهُ: (خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ مُمْتَلِئَ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ " وَفِي أُخْرَى لَهُ " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَفِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ سَتَأْتِي.

قَوْلُهُ: (لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «مِنْ حُكْمِ اللَّهِ» وَالْمُرَادُ أَنَّ اللِّعَانَ يَدْفَعُ الْحَدَّ عَنْ الْمَرْأَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا الْحَدَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الشَّبَهِ الظَّاهِرِ بِاَلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ وَحْيٌ خَاصٌّ، فَإِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بِالْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قُطِعَ النَّظَرُ وَعُمِلَ بِمَا نَزَلَ وَأُجْرِيَ الْأَمْرُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي خِلَافَ الظَّاهِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>