للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَنْ تَطُوفَ يَدُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ أَوْ عَلَى قَذَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا سَبَبُ الْحَدِيثِ عَرَفْت أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي. فَإِنْ قُلْت: هَذَا قَصْرٌ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ. قُلْت: سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَصْرِ عَلَى السَّبَبِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا نَهْيُ الْمُسْتَيْقِظِ عَنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ مُطْلَقِ النَّوْمِ فَهُوَ أَخُصُّ مِنْ الدَّعْوَى أَعْنِي: مَشْرُوعِيَّةَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْآتِي وَغَيْرِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَا مُنَازَعَةَ فِي سُنِّيَّتِهِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي دَعْوَى وُجُوبِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا بِحَدِيثِ الِاسْتِيقَاظِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فِي وَضُوئِهِ) .

وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ (فِي إنَائِهِ أَوْ وَضُوئِهِ) . وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِإِنَاءِ الْوَضُوءِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْغَسْلُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرَادُ التَّطَهُّرُ بِهِ. وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْإِنَاءِ الْبِرَكُ وَالْحِيَاضُ الَّتِي لَا تُفْسَدُ بِغَمْسِ الْيَدِ فِيهَا عَلَى تَقْدِيرِ نَجَاسَتِهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا النَّهْيُ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ سَبْعٌ لَيْسَ عَامًّا لِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ بَلْ خَاصًّا بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ بِاعْتِبَارِ رِيقِهِ، وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إذَا غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ، وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُنَجِّسُ إنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ وَالْمَاءِ: الطَّهَارَةُ فَلَا يُنَجَّسُ بِالشَّكِّ وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا هَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مِثْلَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى وُجُوبِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ مَا يُلْصَقُ بِمَجْرَى النَّفْسِ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَيُنَظِّفُهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِنَشَاطِ الْقَارِئِ وَطَرْدِ الشَّيْطَانِ، وَالْخَيْشُومُ أَعْلَى الْأَنْفِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَنْفُ كُلُّهُ وَقِيلَ: هُوَ عِظَامٌ رِقَاقٌ لَيِّنَةٌ فِي أَقْصَى الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالِاسْتِنْثَارِ بِاعْتِبَارِ إرَادَةُ الْوُضُوءِ وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>