. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ أَنْسَبُ الْأَقْوَال فَلَا وَجْه لِادِّعَاءِ بُطْلَانه وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل أَرْجَحُ، وَلَعَلَّه عَنَى أَنَّهُ بَاطِل فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَاحَ) زَادَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ " فِي السَّاعَة الْأُولَى " قَوْلَهُ: (فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) أَيْ تَصَدَّقَ بِهَا مُتَقَرِّبَا إلَى اللَّه تَعَالَى. وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إلَّا بَيَان تَفَاوُتِ الْمُبَادِرِينَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَأَنَّ نِسْبَة الثَّانِي مِنْ الْأَوَّل نِسْبَة الْبَقَرَة إلَى الْبَدَنَة فِي الْقِيمَة مِثْلًا. وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي مُرْسَل طَاوُسٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ " كَفَضْلِ صَاحِبِ الْجَزُورِ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ " وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر، وَقَدْ قِيلَ غَيْر ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّاعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث مَا الْمُرَاد بِهَا، فَقِيلَ: إنَّهَا مَا يَتَبَادَر إلَى الذِّهْن مِنْ الْعُرْف فِيهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَر، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَاد لَاخْتَلَفَ الْأَمْر فِي الْيَوْم الشَّاتِي وَالصَّائِف، لِأَنَّ النَّهَار يَنْتَهِي فِي الْقِصَر إلَى عَشْر سَاعَات، وَفِي الطُّول إلَى أَرْبَع عَشْرَة سَاعَة، وَهَذَا الْإِشْكَال لِلْقَفَّالِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ مَا لَا يَخْتَلِف عَدَده بِالطُّولِ وَالْقِصَر، فَالنَّهَار ثِنْتَا عَشْرَة سَاعَة، لَكِنْ يَزِيد كُلّ مِنْهَا وَيَنْقُص وَاللَّيْل كَذَلِكَ، وَهَذِهِ تُسَمَّى السَّاعَات الْآفَاقِيَّة عِنْدَ أَهْل الْمِيقَات، وَتِلْكَ التَّعْدِيلِيَّة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ التَّبْكِير فَيُسْتَأْنَس بِهِ فِي الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ بَيَان مَرَاتِب التَّبْكِير مِنْ أَوَّل النَّهَار إلَى الزَّوَال، وَأَنَّهَا تَنْقَسِم إلَى خَمْس، وَتَجَاسَرَ الْغَزَالِيُّ فَقَسَّمَهَا بِرَأْيِهِ فَقَالَ: الْأُولَى: مِنْ طُلُوع الْفَجْر إلَى طُلُوع الشَّمْس، وَالثَّانِيَة: إلَى ارْتِفَاعهَا، وَالثَّالِثَة: إلَى انْبِسَاطهَا، وَالرَّابِعَة: إلَى أَنْ تَرْمُض الْأَقْدَام، وَالْخَامِسَة: إلَى الزَّوَال. وَاعْتَرَضَهُ ابْنِ دَقِيق الْعِيد بِأَنَّ الرَّدّ إلَى السَّاعَات الْمَعْرُوفَة أَوْلَى وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَدَد بِالذِّكْرِ مَعْنًى، لِأَنَّ الْمَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَة جِدَّا.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ: خَمْس لَحَظَات لَطِيفَة: أَوَّلهَا زَوَال الشَّمْس وَآخِرهَا قُعُود الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَر، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمَالِكِيَّة.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ السَّاعَة تُطْلَق عَلَى جُزْءٍ مِنْ الزَّمَان غَيْر مَحْدُود، وَقَالُوا: الرَّوَاحُ لَا يَكُون إلَّا مِنْ بَعَدَ الزَّوَال. وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُون إلَّا مِنْ بَعْد الزَّوَال، وَنَقَلَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُول: رَاحَ فِي جَمِيع الْأَوْقَات بِمَعْنَى ذَهَبَ، قَالَ: وَهِيَ لُغَة أَهْل الْحِجَازِ، وَنَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ نَحْوه.
وَفِيهِ رَدّ عَلَى الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يُسْتَعْمَل فِي الْمُضِيّ فِي أَوَّل النَّهَار بِوَجْهٍ، وَحَيْثُ قَالَ: إنَّ اسْتِعْمَال الرَّوَاحِ بِمَعْنَى الْغَدِ، وَلَمْ يُسْمَع وَلَا ثَبَتَ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ " غَدَا " مَكَان " رَاحَ " وَبِلَفْظِ " الْمُتَعَجِّل إلَى الْجُمُعَة " قَالَ الْحَافِظُ: وَمَجْمُوع الرِّوَايَات يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالرَّوَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute