وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُد لَمْ يَذْكُرَا الْقِيَامَ وَلَا يُقَلِّلُهَا) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ الْأَوَّل أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إسْنَاده حَسَن. وَالْحَدِيثُ الثَّالِث زَادَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: " لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " كَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ " هِيَ بَعْدُ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ " قَوْلُهُ: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ) فِيهِ أَنَّ أَفْضَل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيّ.
وَيُشْكِل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» وَسَيَأْتِي فِي آخِر أَبْوَاب الضَّحَايَا، وَيَأْتِي الْجَمْع بَيْنَهُ وَبَيْن مَا أَخْرَجَ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحه عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» .
وَقَدْ جَمَعَ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ: الْمُرَاد بِتَفْضِيلِ الْجُمُعَة بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيَّام الْجُمُعَة، وَتَفْضِيل يَوْم عَرَفَةَ أَوْ يَوْم النَّحْر بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيَّام السَّنَة، وَصَرَّحَ بِأَنَّ حَدِيثَ أَفْضَلِيَّة يَوْم الْجُمُعَة أَصَحّ. قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: صِيغَة خَيْر وَشَرّ يُسْتَعْمَلَانِ لِلْمُفَاضَلَةِ وَلِغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْمُفَاضَلَة فَأَصْلهَا أَخْيَر وَأَشْرَرْ عَلَى وَزْن أَفْعَل، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونَا لِلْمُفَاضَلَةِ فَهُمَا مِنْ جُمْلَة الْأَسْمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] ، وَقَالَ {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩] قَالَ: وَهِيَ فِي حَدِيث الْبَابِ لِلْمُفَاضَلَةِ وَمَعْنَاهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة أَفْضَل مِنْ كُلّ يَوْم طَلَعَتْ شَمْسه.
وَظَاهِر قَوْلُهُ: " طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ " أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة لَا يَكُون أَفْضَل أَيَّام الْجَنَّة. وَيُمْكِن أَنْ لَا يُعْتَبَر هَذَا الْقَيْد وَيَكُون يَوْم الْجُمُعَة أَفْضَل أَيَّام الْجَنَّة كَمَا أَنَّهُ أَفْضَل أَيَّام الدُّنْيَا، لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة يَزُورُونَ رَبّهمْ فِيهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نَعْلَم أَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْجَنَّة يَوْم الْجُمُعَة، وَاَلَّذِي وَرَدَ أَنَّهُمْ يَزُورُونَ رَبّهمْ بَعَدَ مُضِيّ جُمُعَة كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ: " أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute