للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

غَيْر هَذِهِ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضهَا فِي بَابِ التَّنْظِيف قَوْلُهُ: (يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاس) قَدْ فَرَّقَ النَّوَوِيُّ بَيْن التَّخَطِّي وَالتَّفْرِيق بَيْن الِاثْنَيْنِ، وَجَعَلَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي التَّخَطِّيَ هُوَ التَّفْرِيق

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالظَّاهِر الْأَوَّل، لِأَنَّ التَّفْرِيق يَحْصُل بِالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَخَطَّ قَوْلُهُ: (وَآنَيْت) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة: أَيْ أَبْطَأْت وَتَأَخَّرْت قَوْلُهُ: (قُصْبَهُ فِي النَّار) بِضَمِّ الْقَاف وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَة وَاحِد الْأَقْصَابِ وَهِيَ الْمِعَى كَمَا فِي الْقَامُوس وَغَيْره. قَوْلُهُ: (فَفَزِعَ النَّاسُ) أَيْ خَافُوا وَكَانَتْ تِلْكَ عَادَتْهُمْ إذَا رَأَوْا مِنْهُ مَا لَا يَعْهَدُونَ خَشْيَة أَنْ يَنْزِل فِيهِمْ شَيْءٌ يَسُوؤُهُمْ قَوْلُهُ: (مِنْ تِبْر) بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاة وَسُكُون الْمُوَحَّدَة: الذَّهَبُ الَّذِي لَمْ يُصَفّ وَلَمْ يُضْرَبْ قَوْلُهُ: (فَكَرِهْت أَنْ يَحْبِسنِي) أَيْ يَشْغَلنِي التَّفَكُّر فِيهِ عَنْ التَّوَجُّه وَالْإِقْبَال عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ، وَفَهِمَ مِنْهُ ابْنِ بَطَّالٍ مَعْنًى آخَر فَقَالَ فِيهِ: إنَّ الْمَعْنَى أَنَّ تَأْخِير الصَّدَقَة يَحْبِس صَاحِبهَا يَوْم الْقِيَامَة قَوْلُهُ: (فَأَمَرْت بِقِسْمَتِهِ) فِي رِوَايَة " فَقَسَمْته "

وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلّ عَلَى كَرَاهَة التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَة، وَظَاهِر التَّقْيِيد بِيَوْمِ الْجُمُعَة أَنَّ الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِهِ. وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون التَّقْيِيد خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِبِ لِاخْتِصَاصِ الْجُمُعَة بِكَثْرَةِ النَّاس، بِخِلَافِ سَائِر الصَّلَوَات فَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ، بَلْ يَكُون حُكْم سَائِر الصَّلَوَات حُكْمهَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَّعْلِيل بِالْأَذِيَّةِ، وَظَاهِر هَذَا التَّعْلِيل أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مَجَالِس الْعِلْم وَغَيْرهَا، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَخَطَّى حَلَقَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَهُوَ عَاصِ» وَلَكِنْ فِي إسْنَاده جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ شُعْبَة وَتَرَكَهُ النَّاس.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم التَّخَطِّي يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَاكِيًا عَنْ أَهْل الْعِلْم إنَّهُمْ كَرِهُوا تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْم الْجُمُعَة وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ. وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْمُخْتَارَ تَحْرِيمه لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة. وَاقْتَصَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَلَى الْكَرَاهَة فَقَطْ.

وَرَوَى الْعِرَاقِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَدَع الْجُمُعَة أَحَبّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَخَطَّى الرِّقَابَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَأَنْ أُصَلِّيَ الْجُمُعَة بِالْحَرَّةِ أَحَبّ إلَيَّ مِنْ التَّخَطِّي.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوه، وَلَا يَصِحّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة صَالِحِ مَوْلَى التَّوْأَمَة عَنْهُ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ التَّحْرِيم أَوْ الْكَرَاهَة الْإِمَام أَوْ مَنْ كَانَ بَيْن يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يَصِل إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي، وَهَكَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: إذَا لَمْ يَجِد طَرِيقًا إلَى الْمِنْبَر أَوْ الْمِحْرَابِ إلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَه لِأَنَّهُ ضَرُورَة.

وَرُوِيَ نَحْو ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْكُور فِي الْبَابِ يَدُلّ عَلَى جَوَاز التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ فِي غَيْر الْجُمُعَة، فَمَنْ خَصَّصَ الْكَرَاهَة بِصَلَاةِ الْجُمُعَة فَلَا مُعَارَضَة بَيْنَهُ وَبَيْن أَحَادِيث الْبَابِ عِنْده، وَمَنْ عَمَّمَ الْكَرَاهَة لِوُجُودِ الْعِلَّة الْمَذْكُورَة سَابِقًا فِي الْجُمُعَة

<<  <  ج: ص:  >  >>